للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذين يلحدون يعمدون إلى هذه الفجوة، فيريدون ملأها بالمكابرة.

ويقولون إنه لا داعي لأن نفترض أنه كان هناك عدم قبل الوجود .. ومن هؤلاء فيلسوف عرف بأنه فيلسوف (الروحية) المدافع عنها في وجه (المادية)، وعلى هذا الأساس ربما أشاد به بعض المخدوعين (من المسلمين) واستأنسوا بأقواله لدينهم، كأنما ليؤازروا دين الله بقول عبد من العبيد .. هذا الفيلسوف هو (برجسون) .. اليهودي! إنه يقول: (إن هذا الوجود الكوني لم يسبقه عدم، وإن فرض الوجود بعد العدم، ناشيء من طبيعة العقل البشري، الذي لا يستطيع أن يتصور إلا على هذا النحو .. ).

فإلى أي منطق يستند برجسون إذًا في إثبات أن الوجود الكوني لم يسبقه عدم؟ إلى العقل؟ إنه لا يدعي هذا. وإن كان يقول، إن حدس المتصوفة كان دائمًا يجد إلهًا، ولا بد أن يصدق هذا الحدس المطرد، (الإله الذي يتحدث عنه برجسون ليس هو الله إنما هو الحياة) فأين المصدر الثالث الذي يعتمد عليه برجسون إذًا في إثبات أن الوجود الكوني غير مسبوق بعدم؟ لا ندري! .

إنه لا بد من الالتجاء إلى تصور خالق خلق هذا الكون. لا بد من الالتجاء إلى هذا التصور، لتعليل مجرد وجود الكون، فكيف إذا كان الحال أنه لم يوجد مجرد وجود .. ولكنه وجد محكومًا بنواميس لا تتخلف، محسوبًا فيها كل شيء بمقاييس، قصارى العقول البشرية أن تدرك أطرافًا منها بعد التدبر الطويل؟ .

كذلك نشأة هذه الحياة، والمسافة بينها وبين المادة أيًا كان مدلول المادة، ولو كان هو الإشعاع لا يمكن تعليلها إلا بتصور إله خالق مدبر. يخلق الكون بحالة تسمح بنشأة الحياة فيه، وتسمح بكفالة الحياة أيضًا بعد وجودها.

والحياة الإنسانية بخصائصها الباهرة درجة فوق مجرد الحياة .. وأصله من طين .. أي من مادة هذه الأرض وجنسها ولا بد من إرادة مدبرة تمنحه الحياة، وتمنحة خصائص الإنسان عن قصد واختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>