وكل المحاولات التي بذلها الملحدون، لتعليل نشأة الحياة باءت بالفشل .. وذلك من جهد مستميت، لملء الفجوة بين المادة الهامدة والحياة النابضة. بقصد الاستغناء عن الإله الذي ينشئ الحياة في الموت) (١).
ويعقد الأستاذ رحمه الله فصلًا عن الإيمان بالغيب، عند تفسيره لقول الله عز وجل:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام: ٦٠] يقول فيه:
(إن القرآن الكريم .. يقرر أن هناك عالمًا للغيب، وعالمًا للشهادة. فليس كل ما يحيط بالإنسان غيبًا، وليس كل ما يتعامل معه من قوى الكون مجهولًا.
إن هناك سننًا ثابتة لهذا الكون، يملك الإنسان أن يعرف منها القدر اللازم له حسب طاقته، وحسب حاجته للقيام بالخلافة في هذه الأرض. وقد أودعه الله القدرة على معرفة هذا القدر من السنن الكونية، وعلى تسخير قوى الكون، وفق هذه السنن للنهوض بالخلافة .. والى جانب هذه السنن الثابتة في عمومها، مشيئة الله الطليقة، لا تقيدها السنن وإلا كانت من عملها، وهناك قدر الله الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها، فهي ليست آلية بحتة، فالقدر هو المسيطر على كل حركة فيها، وإن جرت وفق السنن التي أودعها الله إياها. وهذا القدر الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها (غيب) لا يعلمه أحد علم يقين، وأقصى ما يصل إليه الناس هو الظنون (والاحتمالات) وهذا ما يعترف به العلم البشري أيضًا. وإن ملايين الملايين من العمليات، لتتم في كيان الإنسان في اللحظة الواحدة، وكلها (غيب) بالقياس إليه، وهي تجري في كيانه. ومثلها ملايين ملايين العمليات التي تتم في الكون من حوله وهو لا يعلمها.
إن العقلية الإسلامية عقلية (غيبية عملية)، لأن (الغيبية) هي (العملية) بشهادة (العلم) والواقع. أما التنكر للغيب فهو (الجهلية) التي يتعالم أصحابها وهم بهذه الجهالة.