ثانيًا: إن العرب الأميين الذين نزل فيهم القرآن الكريم، وتحداهم الله أن يأتوا بمثله كان لهم معرفة ببعض العلوم كعلم النجوم، قال تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}[النحل: ١٦] وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام: ٩٧] وكعلم الأنواء وهو ما يتصل بالرياح ونزول المطر، وبعض مسائل الطب الناشئة عن تجربة، وقضايا الأخلاق وما يتصل بها مما نجده في كتاب الله تبارك وتعالى.
ثالثًا: لقد جدت علوم بعد القرآن الكريم على هذه الأمة لم تكن معروفة لدى الصحابة رضوان الله عليهم، وذلك كعلوم الطبيعيات والفلسفة، والفلك، إلى غير ما هنالك من علوم، وحينما تحدى القرآن الكريم العرب أن يأتوا بمثله، إنما تحداهم بما كان معلومًا عندهم، ولا يجوز أن يكون قد تحداهم بما ليس كذلك، إذ لو تحداهم بشيء منه لقالوا: (كيف تتحدانا بشيء لا نعرفه ومن هنا فلا تقوم الحجة عليهم، ويستدل بمثل قول الله:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ}[فصلت: ٤٤].
رابعًا: يرى الإمام الشاطبي -رحمه الله- بعد هذه المقدمات أنه لا يجوز لأحد أن يفسر آي القرآن الكريم، بما لم يكن معروفًا عند الصحابة مما جدّ فيما بعد.
يقول: (إن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات، والتعاليم، والمنطق، وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح، والى هذا فإن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى، سوى ما تقدم وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر، لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة: إلا أن ذلك لم يكن، فدلّ على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء ممّا زعموا،