نعم تضمن علومًا هي من جنس علوم العرب، أو ما ينبني على معهودها مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة دون الاهتداء بأعلامه والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا) (١).
ثم يناقش الشاطبي أدلة الفريق المعارض الذي يرى جواز تفسير آيات القرآن تفسيرًا علميًّا، ويرد عليهم فيقول:(وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل: ٨٩] وقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨] ونحو ذلك، وبفواتح السور -وهي ما لم يعهد عند العرب- وبما نقل عن الناس فيها، وبما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره أشياء.
فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها بما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.
وأما فواتح السور فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدًا كعهد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصجاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى وغير ذلك، فيها على ما ادعوه، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز ان يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار -في الاستعانة على فهمه- على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فيه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه، وتقول على الله ورسوله فيه، والله أعلم وبه التوفيق).
ذلكم هو الإمام الذي اقترن اسمه بهذه القضية، فلا نجد أحدًا قديمًا وحديثًا يعرض لهذه القضية، دون أن يذكر أول ما يذكر رأي هذا الإمام.