بالحكم في هذه القضية الدقيقة، قبل أن نستعرض أدلة أولئك وهؤلاء، ليطمئن القارئ إلى وجه يرضيه! .
يذهب الذين يريدون أن يفسر القرآن الكريم تفسيرًا علميًّا، تؤيده النظريات المستحدثة إلى أدلة واضحة محددة، فهم يرون أن القرآن ليس للعرب فقط حتى يكون إعجازه بلاغيًا يلمس الفصحاء وحدهم ويدركه من فهموا أسرار البيان العربي من ذكر وحذف- ووصل وفصل، ولكنه إعجاز بشري يشمل الناس كافة من آسيويين وأوروبيين وأمريكيين وأفريقيين، وهؤلاء العجم من غير العرب يستطيعون أن يفهموا نواحيه العلمية والنفسية والاجتماعية فلو اقتصر الإعجاز القرآني على الوجه التشريعي أو البلاغي لفات هؤلاء جميعًا أن يروا أقباسًا وضيئة من نور الله، كما أن القرآن ليس خاصًّا بجيل واحد من الأجيال، فنحصر تفسيره فيما يروى عن الصحابة والسلف من أقوال، ومن حق كل جيل أن يفهم منه ما يمتد إليه بحثه العلمي والنفسي والاجتماعي من استنباط وقياس! ! فإذا حاول أبناء القرن العشرين أن يجدوا في بعض آياته تعضيدًا لما سطعت به الفتوح العلمية من حقائق، فإنهم بذلك يزدادون إيمانًا ويقينًا، وهذا كسب كبير للنصوص الدينية في عهد يفيض بالشكوك ويمتلئ بالإلحاد! ! على أن هؤلاء الملاحدة المتشككين لا يجدون حجة يستطيلون بها على المؤمنين إذا وجدوا الحقائق العلمية تؤيد ما يتشككون فيه من هدي كريم، فنخرس ألستتهم أمام الحجج الساطعة، ويجد كتاب الله له من النظريات الثابتة أسسًا تدعمه وأركانًا وطيدة تقويه وتعليه! ! .
هذه هي أهم ما يحتج به أنصار التفسير العلمي للقرآن من أقوال وقد بسطها العالم المتمكن الغيور الأستاذ محمد أحمد الغمراوي غير مرة في أعداد مختلفة من الرسالة (١)، وجاء كتابه العلمي النفيس (في سنن الله الكونية) تطبيقًا عمليًا لما يرتئيه، وقد احتاط احتياطًا مفيدًا حين وضع القيود المحكمة لهذا التفسير العلمي