للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال نقلًا عن الرسالة (١) (وقبل أن نورد الأمثلة التوضيحية، يجب أن ننبه إلى أمرين مهمين، الأول أنه لا ينبغي في فهم القرآن الكريم أن نجدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة تمنع من حقيقة اللفظ، وتحمل على مجازه، لأن مخالفة هذه القاعدة الأصلية قد أدى إلى كثير من الخلط في التفسير.

أما الأمر الثاني فهو أنه ينبغي ألا نفسر كونيات القرآن إلا باليقين الثابت من العلم، لا بالنظريات ولا بالفروض، لأن الحقائق هي سبيل التفسير الحق، هي كلمات الله الكونية ينبغي أن يفسر بها نظائرها من كلمات الله القرآنية، أما الحدسيات والظنيات فهي عرضة للتصحيح والتعديل، إن لم يكن للإبطال في أي وقت).

وإذن فهذان قيدان مفيدان وضعهما الأستاذ الغمراوي ليحول دون الشطط في التأويل والجموح في التطبيق، وقد جاء الأستاذ الأكبر محمد مصطفى المراغي - رضي الله عنه - بقيد ثالث نضيفه إليها حين قال: (يجب ألا نجر الآية إلى العلوم كي نفسرها، ولا العلوم إلى الآية كذلك، ولكن إن اتفاق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسرناها بها) (٢) ويمكن القارئ أن يأخذ هذا القيد مستشفًا من خلال القيدين السابقين إلا أنني آثرت أن أسجله صريحًا واضحًا، ليكمل التوجيه المحتوم لمن يتعرض إلى كتاب الله بتفسير علمي رشيد، في ضوء هذه التوجيهات الصريحة قطع العلماء من المتفقهين شوطًا حميدًا في تفسير بعض الآيات الكونية والطبية -فضلًا عن النفسية والاجتماعية، فجاءوا بما يجب ويروق مما لا يتطرق إليه التعسف والافتعال وأصبح القارئ المثقف يجد تفسيرًا علميًّا شافيًا لأمثال قول الله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: ٩، ١٠] وقوله: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا


(١) الرسالة العدد ٧٠٥.
(٢) مجلة الأزهر المجلد السادس ص ٦٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>