للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠].

وإذا كانت بعض الآيات الكونية لا تزال في دور التطبيق الصريح فإن أكثر الآيات الطبية قد وجدت من العلم نصيرًا مجددًا، فأصبح من الإعجاز العلمي للقرآن أن نقرأ قول الله عز وجل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] وقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢]. وقوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٥ - ٧] ونحو ذلك مما انبسط فيه مجال القول للمتخصصين، فكان إحدى معجزات القرآن الكريم.

أما الفريق الآخر ممن لا يرون أن نجذب التفسيرات العلمية إلى آيات الكتاب، فيذهبون إلى أن القرآن قد خاطب العرب أول من خاطب من الناس، وهم قوم أميون لا يحتاجون في فهم النصوص الصريحة إلى التغلغل في العلوم الكونية، والرياضيات الهندسية، وقد واجههم القرآن بما في مقدورهم أن يستوعبوه من الكلام، فأدى رسالته معهم على أحسن وجه يتاح، إذ فهموا مبادئه ودرسوا شرائعه دون أن تكون بهم حاجة إلى نظرية علمية، أو فلسفة كونية فعلى المفسرين أن يفهموا من القرآن ما فهمه العرب الأوائل، إذ أن كتاب الله لسان هداية، ومنار توجيه، أنزله الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، لا ليتحدث عن أسرار البرق والرعد والمطر والرياح، ولا ليحدد مواضع الشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال ... ثم إن النظريات العلمية في الكون لا تستقر على حال فقد تثبت القضية الكونية لدى جيل من الأجيال، حتى تصبح أمرًا بدهيًا لا يجوز فيه الاختلاف، ثم يدور الزمن فيجد من النظريات ما يقلب الأولى رأسًا على عقب، فإذا فسرنا القرآن بمقتضى النظر العلمي فإننا نجعله ميدانًا للتأويل المتناقض المضطرب حتى ليجوز أن نتخذ من الآية الواحدة دليلًا للإثبات في زمن، والنفي

<<  <  ج: ص:  >  >>