في زمن آخر، ومثل ذلك عبث بالغ يجب أن يتنزه عنه كتاب الله.
ومما جعل الآذان تصغي كثيرًا إلى هذا الفريق أن أناسًا ممن لا يجمعون بين النظر الصائب والعلم الصحيح قد دفعهم حب الابتكار إلى تفسير بعض الآيات تفسيرًا بدائيًا لا يستند إلى دليل، فحين يظهر مكتشف ما من المكتشفات يسارع هؤلاء السطحيون، فيقتطعون من كتاب الله ما يوهم صاحب النظر المتسرع أنه يسير مع المكتشف الحديث، ثم يَملَؤون الصحف هراء بتمحلاتهم الكاذبة، وافتئاتهم المقيت، ويدعون عند ذلك أن كتاب الله قد ألقى إليهم بأسراره، فهم قديرون على أن يستنبطوا منه قضايا العلم الحديث، وينسون أنهم في تمحلهم الكاذب يخبطون خبط عشواء! ! .
تجد أحد هؤلاء يتحدث عن التصوير الشمسي فيستدل بقول الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا}[الفرقان: ٤٥].
أو يتحدث عن الأثير فيستدل بقول الله:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَال لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}[فصلت: ١١] أو يتحدث عن القمر الصناعي فيستدل بقول الله {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر: ١] أِو يلم بآلة التسجيل الهوائي للأصوات فيستشهد بقول الله {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[الإسراء: ١٣] أو يشير إلى تحطيم الذرة فيقرأ قول الله {وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}[النمل: ٨٨] وربما تجرأ هؤلاء الأدعياء فكتبوا المؤلفات المتتابعة تحت عنوان (بين العلم والقرآن) وظنوا أنهم بتسرعهم العاجل يقاربون بين العلم والدين! ! وأذكر أن فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت قد كتب في الرسالة (١) ردًّا مسهبًا ضافيًا يفند به ما ذهب إليه هؤلاء الأدعياء من تعسف مقيت، فبسط الحجج المقنعة على فساد نظرهم الطائش واستدل بالنقل والعقل على شططهم الكريه، ثم قال في ختام حديثه: (فلندع للقرآن عظمته وجلالته ولنخلع عليه قدسيته ومهابته،