ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق، وظواهر الطبيعة، إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر ليزداد الناس إيمانًا مع إيمانهم، وحسبنا أن القرآن لم يصادم ولن يصادم حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول).
وكلام الأستاذ الأكبر -كما هو واضح جلي- موجّه إلى من يهجمون على التأويل دون دراسة فاحصة فلا يربطون الآيات بعضها ببعض، أو يلتفتون إلى أسباب النزول وأسرار البيان أو يحكمون السياق الأسلوبي للقرآن، بل يندفعون وراء الحدس الظني والخيال الوهمي ثم يجترئون فيطبقون ويؤولون! ! أما من يتقيدون بالنهج الصحيح في التزام اليقين الثابت من العلم، والصريح الواضح من الآية دون أدنى تكلف يدعو إلى الاعتساف والشطط، فما نظن إلا أن الأستاذ الأكبر يوافق سلفه الأستاذ الأكبر المراغي على منحاه في تفسير ظاهر الآية بالحقيقة العلمية دون تكلف أو افتعال لأن كتاب الله كما يقول الأستاذ شلتوت (لم يصادم ولن يصادم حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول) هذان رأيان متقابلان وبالنظر إلى أدلة كل رأى على حدة، نجد أن الذين ينادون بابتعاد القرآن عن التفسير العلمي مصيبون كل الإصابة، إذا كان التفسير قائمًا على الظن الوهمي، أو التعسف التأويلي، أما إذا كان مستندًا إلى الصريح من القول معتمدًا على اليقين الثابت من العلم، فلا يمنع إطلاقًا أن نستضيء بشعاع العلم في إيضاح حقائق الذكر الحكيم، وإذا كان القرآن كتاب هداية وإرشاد، فإن آياته العلمية لا تحول دون هذه الهداية المبتغاة! بل تؤكدها وتدعو إليها الجاحدين، أما من يقول: إنه نزل في أمة أمية لا تعرف النظر العلمي فنحن نردّ عليه بأنه لم ينزل لأمة واحدة أو قرن واحد، بل لجميع الأمم في شتى القرون المتعاقبة ليأخذ كل جيل من هديه ما يناسب استعداده الذهني والنفسي ولن يضير اللهر المترقرق أن يرتوي منه غلام ناشئ أو شاب مكتمل، ولن تجد حجة لمن يدعون تناقض العلم واضطرابه لأننا في هذا التفسير المرتقب لن نأخذ بغير اليقين الثابت مما صححته الأجيال المتعاقبة دون أن نكر عليه بالنقض والتفنيد، وسنتمسك بالقيود الملزمة التي فرضها العلماء على أنفسهم وسجلناها مركزة في صدر