للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به القرآن؟ هل دخول الفلسفة إلى الجامعات، من شأنه أن يحل المشكلات العويصة، كمشكلة النفس والروح والمشكلة الأخلاقية وغيرها؟ . لقد زادت الفلسفة هذه المشكلات إشكالًا. ولا نظن أبدًا أن نهي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - كان للأسباب التي ذكرها الكاتب، بالنسبة لصحابته فقط. وإنما تنسحب تلك الوصية على كل مؤمن من ذكر أو أنثى ما دام القرآن تُتَفيّأ ظلاله.

لقد نهى الرسول الكريم مثلًا عن التفكير في ذات الله، أفيمكن القول إنّ هذا النهي كان مؤقتًا، لأن الفلسفة لم تدخل الجامعات؟ وهل تدنت أوروبا الحديثة إلا حينما ورثت أوحال الفلسفة اليونانية، التي شغلت حيزًا من التفكير في ذات الله. وقد بحثت مسألة القدر بحثًا مستفيضًا في فلسفة الإغريق وما جاء بعدها من فلسفات مسيحية وإسلامية، فهل أجدى ذلك شيئًا؟ أود أن أقول للكاتب هنا: إنّ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو الحريص على أمته- حينما بينهى عن أمر فإنه يعلم يقين العلم أنّ مثل هذا ليس من شأنه أن تسعد به الأمة من جهة، أو تصل من بحثه إلى حل تجتمع عليه من جهة أخرى. ومن أراد تقريرًا علميًّا لهذا، فتلك كتب علماء الكلام والفلاسفة مليئة بل متخمة ببحث هذه القضية.

ويبدأ المؤلف بتقديم الحلول لمسألة القدر، ويركز على ما يسميه حرية الضمير. وبمقتضى هذه الحرية كما يقول: (جعل الله من ضمير الإنسان ونيته وسريرته، منطقة محرمة وقدس أقداس، لا يدخلها قهر أو جبر، وقطع على نفسه عهدًا بأن تكون هذه المنطقة حرامًا لا يدخلها جنده) (١). وهذا القول مع ما يبدو فيه من جرأة على الله، لست بصدد مناقشته هنا، كل ما أود أن أثبته أن علماءنا الأقدمين، أثبتوا هذا الرأي وهم يتحدثون عن معنى الكسب، ورأينا منهم من يعلن أن هذا الكسب، إنما هو من فعل الإنسان نفسه (٢).


(١) ص ٢٩.
(٢) القول السديد في علم التوحيد للأستاذ الشيخ محمود أبي دقيقة رحمه الله- مبحث أفعال العباد).

<<  <  ج: ص:  >  >>