بسحابة هو تشبيه يقترح على الذهن تكوينًا ذريًا فضفاضًا مخلخلًا، وهو ما عليه الجبل بالفعل، فما الأشكال الجامدة إلا وهم. وكل شيء يتألف من ذرات، وما يقوله المفسرون القدامى من أن هذه الآية، تصف ما يحدث يوم القيامة هو تفسير غير صحيح لأن يوم القيامة هو يوم اليقين والعيان القاطع.
ولا يقال في مثل هذا اليوم (ترى الجبال تحسبها). فلا موجب لشك في ذلك اليوم) (١).
ترى هل يريد أن يقول المؤلف إنه تشبيه حرفي كذلك. والجبل ذرات متماسكة راسية شامخة جعلها الله أوتادًا في هذه الأرض، والتشبيه الذي جاء في الآية الكريمة ليس تشبيه الجبال بالسحاب، وإنما الآية صريحة {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}. ولو أن المؤلف اكتفى باحتمال الوجه الذي ذهب إليه كما فعل غيره لكان ما ذهب إليه مقبولًا. أما وقد خَطَّأ المفسرين جميعًا، الذين فهموا الآية على أنها مشهد من مشاهد يوم القيامة. فإن ذلك يصعب علينا أن نقبله منه. فهذا الشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله، يذكر أن الآية تحتمل المعنيين، فبالنظر لما قبلها وهو نفخ الصور، يرجح أنها من حوادث يوم القيامة، وبالنظر لما بعدها من صنع الله المتقن يقوى احتمال كونها في الدنيا، ولم يجرؤ على القول بأن ما ذهب إليه المفسرون غير صحيح، وأما استدلاله بجملة (تحسبها) فهو استدلال ليس في موضعه. ذلك لأن هذه الجملة تبرز هذه الصورة إبرازًا كأنه محسوس ملموس. والقول بأنه لا موجب للشك في ذلك اليوم، قول لا بد من مناقشته، فسياق الآية أولًا: لا يفيد معنى الشك في جملة (تحسبها)، وإنما هو استحضار لصورة لا بد واقعة، فهي صورة تؤثر في أعماق النفس كأنه يقول: ترى الجبال، يخيل ويهيأ لك أنها جامدة. ولكنها في الحقيقة سريعة في حركتها، وهي تمر مر السحاب، فليس المجال مجال شك.
وأما ثانيًا: فلقد استعملت هذه اللفظة نفسها في القرآن الكريم، في مشهد آخر