فليسوا ممن رُدّ إلى تلك الدركات، ويكون الاستثناء منقطعًا. وعلى كل حال، فإن تأويل (أسفل سافلين) بالأميبا فما بعدها، تأباه الآية سياقًا ونصًّا.
وأما قوله تعالى:{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} فإن هذا الإجمال في الآية، بينته وفصلته آية أخرى هي آية سورة المؤمنون: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٢ - ١٤]، وآيات كثيرة فصلت هذا الإجمال مثل آية سورة الحج:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[الحج: ٥]، فلا يعقل أن تكون الأطوار هذه، ما ذكره المؤلف مع وجود هذا البيان والتفصيل في كتاب الله.
بقي أن يقال: إن قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ}[الأنعام: ٣٨]، لا يساعد ذلك التأويل الذي ذهب إليه، لأن المماثلة التي قال إنها وشيجة من وشائج القربى. مماثلة في غير ما ذهب إليه فتلك مخلوقات لها طبائعها وأنظمتها والظروف الملائمة لها. فهناك صلات قوية بين هذه المخلوقات في أسس الحاجة والتنظيم، وليست إذا وشيجة قربى.
أما وجودنا الروحي الذي تحدث عنه، واستدل له بآية الأعراف، فأمر لا نسلمه له ذلك لأن الآية تقول:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ولم تقل من (آدم نفسه). وهذه إشارة إلى ما زود به الإنسان من الفطرة السليمة كما ذهب إليه أكثر أئمة التفسير. ولو كان لنا وجود سابق على وجودنا هذا لتذكرناه، أو تذكرنا بعضه لأن وجودنا اللاحق لا ينسينا وجودنا الدنيوي، كما نص القرآن الكريم نفسه.
أما آية آل عمران (١) فإن قصارى ما تفيده: أن الله أخذ الميثاق على النبيين حينما