للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفظها هذا التأويل. لكن موطن الخطر ما ذكره في أول هذا الفصل، عند قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١] حيث يقول: (لو أخذنا الآية بظاهر حروفها، دون أن يكون جوهر القضية واضحًا في الذهن، فسوف نجد أن الحياة الطبيعية في زمننا - زمن الميني جيب .. والديكولتيه، والجابونيز والصدر العريان، والشعر المرسل، والباروكات الذهب أمر صعب، والسير في شارع مثل عماد الدين أو فؤاد أو سليمان باشا، سيرًا مطابقًا لحروف الآية هو الأمر العسير - ونحن نرى وجهًا فنهتف بالقلب إعجابًا (الله) ونقصد الخالق الذي صوّر وليس المخلوق، فلا تكون هذه النظرة حلالًا فقط .. وإنما تكتب لنا حسنة .. وهي نظرة لا يقدر عليها إلا متصوف عابد. ء وغض البصر ليس فقط غض البصر عما يتعرى من الجسد، وإنما هو غض البصر، عما في يد الناس من مال ونعمة، وهو الحياء والترفع عن النزول بالنفس إلى مواطن الشهوة والحسد والحقد والغيرة) (١).

ومثل هذا القول فضلًا على مخالفته للآيات الصريحة والسنة الصحيحة، فإنه في الحقيقة لا ينسجم مع طبيعة الأشياء، ذلك أن من المعلوم أنه لا بد من اعتبار الوسائل في كل محرم أو واجب، والإسلام حينما حرم النظرة، فإنه لم يأمر الناس بأن يضع كل على وجهه برقعًا، فيتخبط في سيره، ومن هنا جاء التعبير بكلمة (من). إن المجتمع الذي أراده القرآن، هو الذي يمكن أن تحيا في هذه الآية حياة واقعية عملية. وليس هذا القول غريبًا من المؤلف أو بدعًا من الأقوال، فلقد قاله الكثيرون قبله، محاولين أن يوجدوا لأنفسهم المسوّغ الذي يسمح لهم بمثل هذا. وأذكر هنا كلمة لمنصور فهمي (٢): (واتجهت حيث يقع بصري على هذا الخلق الفتان، لم أختلس النظرات اختلاسًا، وإنّما رأيت أن أشبعها حسنًا، غير مكترث بما


(١) ص ٨٦ - ٨٨.
(٢) فصول ممتعة ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>