حسين (١): (وظهر بين هاتين النزعتين (الغربية والإسلامية)، اتجاه ثالث يرمي إلى التوفيق بين الإسلام وبين حضارة الغرب، وتزعم الشيخ محمد عبده هذا الاتجاه الجديد، الذي عرضه لسخط المتفرنجين والداعين بدعوة الإسلام كليهما - كما يقول كرومر - وإن كان سخط الأولين أقل من سخط الآخرين، وحقيقة الأمر في حركة الشيخ محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني، الذي اقترن اسمه في الشطر الأول من حياته، لا تزال تشاج إلى مزيد من الوثائق، التي توضح موقفهما، وتزيل ما يحيط به من غموض ومن تناقض، فيما اجتمع حولهما من أخبار، فبينما ينزله رشيد رضا، ومعه كل أتباع الشيخ محمد عبده الذين ازداد عددهم على الأيام منزلة الاجتهاد في الدين، ويرفعونه إلى أعلى درجات البطولة والإخلاص الذي لا تشوبه شائبة، كان كثير من علماء الشريعة المعاصرين له، يتهمونه بالمروق من الدين والانحراف به، وتسخيره لخدمة العدو. فإذا تركنا هؤلاء وهؤلاء ممن قد يجد الطاعنون سبيلًا إلى رميهم بالتحيز والمحاباة أو التحامل والتزمت، وجدنا كثرة من النصوص في كتب ساسة الغرب ودارسيه، تصور رأيهم فيه وفي مدرسته وتلاميذه، ومكانه من الفكر الحديث، وهي جميعًا تتفق على تمجيده والإشادة به، وبما أداه للاستعمار الغربي من خدمات، بإعانته على تخفيف حدة العداء بينه وبين المسلمين، وهو عداء يستتبع آثارًا سياسية تضر بمصالحه، وتهدد بإذكاء الثورات التي لا تفتر ولا تنقطع).
وإلى جانب ذلك كله نجد إشارات صريحة، لأحد كبار رجال الماسونية في مصر - ومن المعروف أنها دعوة تخدم اليهودية العالمية - تؤكد أن جمال الدين الأفغاني هو مؤسس (محفل كوكب الشرق) ورئيسه، كما تؤكد أن محمد عبده كان عضوًا في هذا المحفل إذ يقول:
(وقد ظهرت الماسونية في سورية في مظهر الإخلاص والمحبة، أثناء الحوادث
(١) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر جـ ١ ص ٣٠٧ الطبعة الثانية.