للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خصّ بذلك وأمر بأن يحتج به، والحكمة في إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إقامة الحجة على منكري نبوته كما تقدم. وأما وقوع ذلك كله أو بعضه بالفعل، فهو يتوقف على نقل يحتج به في مثل ذلك) (١).

وأول ما يلفت النظر في أقوال الأستاذ رحمه الله، قوله بأن علماء الغرب يحاولون التوليد الذاتي. فلقد كان يحسن الظن بنظرياتهم، ولعل له عذره في ذلك (٢)، أما ما لا يعذر فيه، فهو محاولته تفسير ولادة عيسى تفسيرًا علميًّا، وإخضاع هذه المعجزة لمقياس العقل ومنطق الحس، وكان في غنى عن ذلك كله، فلقد كان مولد عيسى صفعة للمادية والماديين. ومريم عليها السلام نفسها، قد أبدت العجب والدهشة من مثل هذا الأمر، لولا أن قيل لها: {قَال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: ٢١]، إذا كان الأمر كذلك فلم نجهد أنفسنا في هذه التأويلات التي لا طائل تحتها، والتي لا تثبت أمام العلم الذي أردنا أن نستند إليه في مثل هذه الأمور؟ وكان حريًا بالأستاذ أن يقف عند قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَال لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)} [آل عمران: ٥٩، ٦٠]. ولا داعي لهذين الوجهين في تأويل الآية، وكان من الخير له أن يكتفي بوجه واحد، وهو أن خلق عيسى معجزة.

بقي هنا أن يقال: هل خرجت إلى حيز الوجود تلك المعجزات التي أيد الله بها عيسى عليه السلام؟ ولقد كنت أوثر عدم الخوض في هذه المسألة، لأنها لا يندرج تحتها فائدة ما، ولكن مفسرنا رحمه الله، مع أن من منهجه عدم الخوض في مثل هذه الأمور، خرج هنا عما رسم لنفسه، وقرر أنه ليس هناك نص يفيد حدوث هذه المعجزات بالفعل، مع أن مجرد ذكر هذه المعجزات في أكثر من موضع، دليل


(١) المنار جـ ٣ ص ٣١١.
(٢) إن نظرية التولد الذاتي ثبت بطلانها بعد التجارب التي قام بها بستير الفرنسي وذلك قبل زمن الأستاذ الإمام.

<<  <  ج: ص:  >  >>