للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بد فيه من التكرار، كتذليل الحيوان الصعب، وتعليم الصناعة أو العلم، وقد يكون التكرار لأجل إطاعة مانع أو صارف واحد، وقد يكون لإطاعة عدة صوارف وموانع، وأقرب الألفاظ التي قيلت إلى هذا المعنى كلمة التشجيع المأثورة، فهي تدل على أنه كان يهاب قتل أخيه، وتجبن فطرته دونه فما زالت نفسه الأمارة بالسوء تشجعه عليه حتى تجرأ وقتل عقب التطويع بلا تفكر ولا تدبر للعاقبة.

١١ - بيانه لمعنى يذر: (ذروا) أمر لم يرد في اللغة استعمال ماضيه ولا مصدره وهو بمعنى الترك والإهمال، فهو بوزن ودع الشيء يدعه ودعا، ومعناه. إلا أن هذا قد استعمل ماضيه ومصدره قليلًا، وذاك لم يستعمل منه إلا المضارع (يذر) والأمر (ذر) وتعدد ذكرها في التنزيل، وزعم الراغب في مفرداته أن معناه قذف الشيء لقلة الاعتداد به. وأورد من الشواهد عليه من القرآن ما هو ظاهر فيه، وأشار إلى شاهد واحد يخالفه في الظاهر ووعد ببيان دخوله في موضع آخر، ولعله يعني تفسيره للقرآن، وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: ٢٣٤] ولم يقل: ويتركون ويخلفون، ولعله أجاب عنه بأن المراد: ويتركون أزواجًا هن عرضة للإهمال، وعدم الإنفاق عليهن فليوصوا لهن، وإلا كانوا هم المهملين لهن، والقاذفين بهن في بِيْدِ الإهمال والحاجة. ويرد عليه أيضًا قوله تعالى حكاية عن المخلفين في سورة الفتح {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} [الفتح: ١٥] وكل ما عداه من استعمال القرآن لهذه الكلمة يظهر فيه معنى الترك لعدم المبالاة والاهتمام. لا القذف كما عبر به، ومنه قوله تعالى {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [آل عمران: ١٧٩] {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} [الأعراف: ١٢٧] {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ} [نوح: ٢٦] {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: ٢٧] {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: ١٦٦] {وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة: ٢١] {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: ٩١] {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>