للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأجل الأكل) (١).

١٠ - ومن ذلك بيانه لمعنى طوعت في قوله {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: ٣٠] قال: فسروا طوعت بشجعت، وهو مأثور عن ابن عباس ومجاهد، وبوسعت وسهلت وزينت، ونحو ذلك من الألفاظ التي رويت عن مفسري السلف وعلماء اللغة، وكل منها يشير إلى حاصل المعنى في الجملة، ولم أر أحدًا شرح بلاغة هذه الكلمة في هذا الموضع ببعض ما أجد لها من التأثير في نفسي. وإنها لبمكان من البلاغة يحيط بالقلب، ولضغط عليه من كل جانب. {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إنني أكتب الآن، وقلبي يشغلني عن الكتابة بما أجد لها فيه من الأثر والانفعال، إن هذه الكلمة تدل على تدريج وتكرار في حمل الفطرة على طاعة الحسد الداعي إلى القتل، كتذليل الفرس والبعير الصعب، فهي تمثل لمن يفهمها ولد آدم الذي زين له حسده لأخيه قتله، وهو بين إقدام وإحجام، يفكر في كل كلمة من كلمات أخيه الحكيمة، فيجد في كل منها صارفًا له عن الجريمة، يدعم ويؤيد ما في الفطرة من صوارف العقل والقرابة والهيبة. فَيَكِرُّ الحسد من نفسه الأمَّارة على كل صارف في نفسه القرامة، فلا يزالان يتنازعان ويتجاذبان، حتى يغلب الحسد كلا منهما ويجذبه إلى طاعته، فإطاعة صوارف الفطرة وصوارف الموعظة لداعي الحسد هو التطويع الذي عناه الله تعالى، فلما تم كل ذلك قتله. وهذا المعنى يدل عليه اللفظ، ويؤيده ما يعرف من حال البشر في كل عصر، بمقتضٍ، فنحن نرى من أحوال الناس واختبار القضاة للجناة، أن كل من تحدثه نفسه بقتل أخ له من أبيه القريب أو البعيد (آدم) يجد من نفسه صارفًا أو عدة صوارف تنهاه عن ذلك، فيتعارض المانع والمقتضى في نفسه زمنًا طويلًا أو قصيرًا حتى تطوَّع له نفسه القتل بترجيح المقتضى عنده على الموانع، فعند ذلك يقتل إن قدر، فالتطوع لا


(١) ج ٦/ ص ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>