للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلم بأحوالهم؛ لأنها هي المقصودة هنا بالذات، بدليل سابق الكلام ولاحقه، إذ هو فيهم. وما ذكر العلم بالمهتدين إلا لأجل التكملة والمقابلة، ولذلك عطف على ما قبله عطف جملة لا عطف مفرد، فتأمل. ولو جازت الإضافة هنا نحو: أفضل من حج واعتمر- لكان الكلام احتباكا تقديره هو أعلم من يضل ومن يهتدي، وهو أعلم بالضالين وبالمهتدين، فحذف من كل من المتقابلين ما أثبت نظيره في الآخر، وليس المانع من جواز الإضافة هنا كون صلة مَنْ فِعلًا مضارعًا لا ماضيًا، كالمثال الذي أوردناه ونظائره. بل المانع هو أن المضاف في مثل هذا الكلام من جنس المضاف إليه، وهو ممتنع في الآية؛ لأنه تعالى لا جنس له، ولو اقترن الموصول هنا بالجار فقيل: هو أعلم ممن يضل عن سبيله لجزمنا بالاحتباك (١).

على أنه لا يفوتني أن أنبه على أمرين اثنين:

١ - أن الشيخ رشيد يأبى أن يقصر التفسير على ذكر النكتة البلاغية، أو أن تكون هي المقصود الأول من التفسير، لأن هذا ربما يخرح القرآن عن قصده الأساسي، وهو أنه كتاب هداية.

٢ - يرفض الشيخ رشيد أن نخضع القرآن أو أيّ قراءة متواترة لآراء النحويين ومذاهبهم، وينعى وينحي باللائمة على الذين نهجوا هذا النهج، فجعلوا القرآن تابعًا، وربما أولوا آية أو ردوا قراءة صحيحة؛ لأنها تخالف مذهب الكوفيين أو البصريين، وربما استندوا فيه إلى بيت من الشعر لم يُعرف قائله. فهم مفتونون بمذاهبهم، كما يقول صاحب المنار، عند تفسيره قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: ١]، حيث رد بعض النحاة قراءة حمزة - رحمه الله - بجر الأرحام مع أنها متواترة (٢).


(١) تفسير المنار (٨/ ١٦، ١٧).
(٢) المنار ٤/ ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>