للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: ٤٤] تبيّن ما في هذه الآية من علم البيان وعلم المعاني ووضوح الألفاظ والمحسنات البديعية.

وقضايا النحو لم تفت الشيخ في ثنايا تفسيره وإن كانت عنايته بها أقل من سابقتها. وسأضرب مثالًا واحدًا ليتبين للقارئ كيف أن الشيخ - رحمه الله - قد غاص في معاني النحو، ولم يقف على ألفاظه الجامدة، وكيف جعل النحو أداة لبيان البلاغة فعند تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: ١١٧] يقول: (ومن مباحث اللفظ أن البصريين والكوفيين من النحاة اضطربوا في إعراب قوله تعالى: {أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ} لمجيئه على خلاف المعهود الشائع من اقتران معمول اسم التفضيل بالباء كقوله تعالى في مثل هذه الآية من سورة القلم {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم: ٧] فكان أبعد إعرابهم له عن التكلف أن الباء حذفت منه اكتفاء باقترانها بمقابله المتصل به وهو قوله {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، ومخالفة المعهود في أساليب اللغة لا يكاد يقع في كلام بلغاء أهلها إلا لنكتة يقصدونها به. وكلام رب البلغاء ومنطقهم باللغات أولى بذلك. والنكت منها لفظي كالاختصار والتفنن في الأسلوب، ومنها معنوي وهو أعلى. وقد يكون من نكت مخالفة المعهود الكثير تنبيه الذهن للتأمل، كمن يريد إيقاف سالك الطريق في مكان منه لفائدة له في الوقوف، كما أرى الله تعالى نبيه موسى النار في الشجرة بجانب الطور، فحمل أهله على المكث فيه لما علمنا من حكمة ذلك. وقد بينا هذا النوع من النكت من قبل، وجعلنا منه عطف المرفوع على المنصوب في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة: ٦٩] أي وكذا الصابئون، أو والصابئون كذلك، خص هؤلاء بإخراجهم عن نسق من قبلهم في الإعراب؛ لأن الناس لم يكونوا يعرفون أنهم بقايا أهل كتاب، وقد يكون حذف الباء في قوله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١١٧] للتنبيه إلى التأمل والتفكير في كون الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>