وإذا كان الله تعالى قد أخذ الميثاق الغليظ على العلماء في كتابه الكريم كي يبينوا للناس الحقائق الاسمية ولا يكتموها، فإن الواجب يقضي عليهم أن يراجعوا تاريخ التطور الفكري قي حضارتنا الإسلامية ليقوموا بجرد كامل للأفكار الهادمة، والمبادئ الباطلة، والاتجاهات الخرافية والأسطورية فيها، كي يفضحوها بالعلم والمنطق والبرهان، ليعود الإسلام عند المسلمين صافيًا نقيًا يوجه الجيل الجديد إلى الإيمان العميق، والعلم الدقيق بالقوانين المادية وتسخيرها، وإحداث التغيير المطلوب في مجتمعاتنا الإسلامية المتأخرة نحو حياة الأصالة، والحضارة والعقلانية.
ويعقد الفصل الخامس للحديث عن المدرسة الحديثة في التفسير فقد كان المسلمون قي القرن الثالث عشر الهجري يعيشون أوضاعًا متخلفة بعيدة عن هداية القرآن .. لقد خبت جذوة الفكر وتوقفت الحركة العلمية التجريبية، واصطبغت عقلية الأمة الإسلامية بصبغة التواكل والقعود والخرافة، وهذه الأوضاع أطمعت الاستعمار في احتلال العالم الإسلامي لتقييد حركته الحضارية وهذه الأوضاع السيئة دفعت العلماء المتنورين إلى التفكير بإخلاص لإنقاذ العالم الإسلامي من مأساته، وكانت القاعدة التي انطلقوا منها لبناء نظراتهم إلى مسائل الكون والحياة والقرآن الكريم.
وقد بدأت تلك الدراسات والإصلاحات مع القرن الرابع عشر الهجري على يد جمال الدين الأفغاني الذي يعد مؤسس المنهج الحديث في التفسير في القرن الرابع عشر الهجري .. لقد تكلم الأفغاني في أسس التفسير ووضح ملامحه، وهاجم المناهج التفسيرية التي أقحمت علوما ومصطلحات غريبة عقلية ولغوية ونقلية، فحجبت حقائق القرآن عن الناس، ودعا إلى فهم القرآن والسنة وأعمال السلف الصالح.
ثم جاء الشيخ محمد عبده، الذي تأثر بشيخه الأفغاني، وكان يلقي دروسًا في