ولقد رأى الشيخ شلتوت -رحمه الله- رأي صاحب المنار مع أنه يخالفه في أحيان كثيرة يقول رحمه الله: ولا يقال إن هناك فرقًا بين الحدث الأصغر والأكبر، لأن إباحة التيمم تشملهما معًا للمريض وللمسافر، وقد جمع القرآن بينهما في قوله سبحانه {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣]، وليس من المقبول ولا من المعقول أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعرفون أن التيمم مباح مع وجود الماء للمسافر، وأن يكون هذا موقفهم من عمرو بن العاص رضي الله عنه، سامح الله الشيخ رشيدًا ومن بعده الشيخ شلتوت رحمهما الله تعالى ومعهما الشيخ محمد عبده.
وإذا كان قول الشيخ رشيد في المسألة السابقة -أعني قضية الرجم، ورأيه أن الإحصان يشترط له دوام الزواج- أقول إذا كان في هذا الرأي وجاهة، فإن ما قاله في هذه المسألة، وهي مسألة تيمم المسافر مع وجود الماء، فيه شيء من الغرابة، ومع أن الشيخ أطال النفس في دفاعه عن رأيه، وهو رأي الإمام الشيخ محمد عبده، فإن كل ما ذكره لا يخلو من مناقشة، وما أبعد الفرق بين قصر الصلاة المباح للمسافر، وبين تيممه مع وجود الماء، فقصر الصلاة رخصة ذكرت في كتاب الله تعالى، وبينها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك يجوز للمسافر أن يتم الصلاة عند أكثر الأئمة إلا أن القصر أفضل، أما التيمم فهو عبادة بديلة عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله، والمتتبع لغزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأحوال الصحابة رضي الله عنهم، كما أنبأت عنها السير والأخبار يدرك أنهم كانوا يتوضئون ويغتسلون، وما كانوا يتيممون مع وجود الماء ونستدل هنا بما كان من عمرو بن العاص رضي الله عنه حينما أجنب وتيمم لعدم قدرته على استعمال الماء البارد، وعجب الصحابة، فأخبروا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقره على عمله، ولو كان التيمم مباحًا مع وجود الماء ما كان في القضية غرابة مع أن إسلام عمرو رضي الله عنه، كان متأخرًا (هاجر إلى