للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصل لذلك الحكم يجعلهم يقفون أمام الآية هذا الموقف الذي وقفوه، وكانت به في نظرهم من المشكلات المعضلات، ولكن أي أصل هذا الذي يقف أمامهم قبل القرآن، ويجعلونه حكمًا على القرآن؟ قالوا: إن الأحاديث والروايات التي ذكرت السفر والتيمم فيه، كانت كلها مجمعة على أن القوم لم يكن عندهم ماء وهم على سفر، وأن التيمم أبيح لهم وهم على تلك الحال، ونحن نقول: أبيح لهم التيمم وهم على تلك الحال، وهل منعوا منه وهم على سفر مع وجود الماء؟ لم يرد ذكر حالة مثل هذه، وليست الإباحة في الحالة التي وقعت لهم مانعة من الإباحة في مثل تلك الحالة إذا وقعت، ولم يوجد نص قولي يعم الأحوال كلها، ويحدد ما يباح التيمم فيه للمسافر وما لا يباح، فأكل ما ورد وقائع أحوال لا عموم لها ولا تدل على انتفاء الحكم في غيرها. قالوا: إن ذكر السفر هنا لدفع توهم أنه مرخص بذاته، كما عرف له ذلك في الصلاة والصوم، وكأنه يقول إن السفر في هذا الباب ليس مرخصًا بذاته، ولا أثر له في إباحة التيمم إلا إذا عدم الماء كالمقيم سواء بسواء، ولعلهم يقولون بمثل ذلك في المرض ويمنعون تيمم المريض متى كان الماء موجودًا، وإلى هذا ذهب بعض الفقهاء، ونحن نقول: كان يكفي الاقتصار على عدم وجود الماء، فيعم الأحوال كلها، ويفهم ذلك الذي تقولون من مجرد الاقتصار على عدم الماء، ومن المعلوم أن الرخصة لا تثبت لحالة خاصة إلا إذا نص عليها، وما لم ينص عليها يعمها الحكم دون استثناء، ثم كيف يقبل أن المرض لا يبيح التيمم، وعندئذ يقولون دفعًا لهذا: إن المراد بعدم الوجدان عدم القدرة على استعماله والانتفاع به، ويكون بذلك عدم الوجدان مستعملًا في حقيقته ومجازه، فإن قالوا: دل على هذا الاستعمال قاعدة نفي الحرج وما أباحه الله من الرخص في حالة المرض، قلنا: وبمثل هذا يقال في السفر، فقد أباح الله فيه -كما أباح في المرض- الإفطار في رمضان، وقصر الصلاة والجمع بين الصلوات، وما إلى ذلك من سائر الرخص التي رتبها الشارع عليهما معًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>