للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدم الطعن برجاله، وحديث أم نصر المحاربية يقوي ما ذكرناه، بتعليل حِل الحمر، بكونها تأكل الكلأ وورق الشجر، أي لا النجاسة، فالحديثان متفقان في المعنى، مع حديث أنس الذي هو عمدة القائلين بتحريم الحمر، وإنما يجمع بين هذه الأحاديث وبين الآية، بل الآيات القطعية اللفظ، والدلالة على الإباحة، بأن التحريم كان عارضًا، مؤقتًا، فيقصر على وجود العلة في كل زمان ومكان، ويباح في سائر الأحوال على الأصل ومقتضى النص القطعي) (١).

ومن العجيب أن الشيخ وهو وافر البضاعة في الحديث، قوي العارضة في التمييز بين الغث والسمين، تناسى هنا الروايات الصحيحة الكثيرة التي وردت عن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وجابر والبراء، وعبد الله بن أبي أوفى وزاهر الأسلمي رضي الله عنهم جميعًا، أنس وهو الحديث الصحيح شاهدًا لحديث غالب بن أبجر، مع أنه لا يصلح شاهدًا لاختلاف المعنى فيهما. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حدث غالب أجمع الحفاظ على شذوذ متنه، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، واختلف العلماء كثيرًا في سنده، ففيه ضعف واضطراب. وكذلك حديث أم نصر أجمعوا على ضعفه، هذا وإن تحريم لحوم الحمر متفق عليه.

قال الإمام النووي: (قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم، لم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافًا إلا عن ابن عباس، وعند المالكية ثلاث روايات ثالثتهما الكراهية) (٢).

وذكر ابن حزم أنه نقل تحريم الحمر الأهلية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن طريق تسعة من الصحابة بأسانيد كالشمس. فهو نقل متواتر لا يسع أحدًا خلافه. ثم قال:


(١) المنار ٨/ ١٤٩.
(٢) شرح صحيح مسلم جـ ٤ ص ٣٣٢ (مطبعة الكستلية).

<<  <  ج: ص:  >  >>