للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشوكاني رحمه الله الذي يطلق عليه صاحب المنار لقب الإمام يقول: (وفي الحديث دليل على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير وإلى ذلك ذهب الجمهور) (١).

والذي يدور حوله صاحب المنار في هذه المسألة، هو أن الآية ليست منسوخة حتى يحرم غيرها، مع أنه لا أحد من أهل العلم، أو حتى من هو قريب منهم يقول بنسخها، ولكن صاحب المنار اضطرب كثيرًا في هذه المسألة فكتب عليها الصفحات الطوال، فتارة يضعف الروايات، وتارة يجمع بينهما وبين الآية، وأخرى ينال من الصحابة أو يشكك فيهم! ومع هذا كله تسقيط ورد لأقوال الأئمة الحفاظ.

وأحب في نهاية المسألة أن أنقل فقرة مما قاله غير معلقٍ عليها، بل أدع هذا للقارئ:

(والأرجح المختار عندنا، أن كل ما صح من الأحاديث في النهي عن طعام غير الأنواع الأربعة، التي حصرت الآيات محرمات الطعام فيها، فهو إما للكراهة، وإما مؤقت لعلة عارضة كما تقدم في الخبر. ما ورد منه بلفظ التجريم، فهو مروي بالمعنى لا بلفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وليس المراد من رد تلك الأحاديث بآية الأنعام من الصحابة وغيرهم، أنه لا يقبل تحريم ما حرمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذا لم يكن منصوصًا في القرآن بل معناه أنه لا يمكن أن يحرم -صلى الله عليه وسلم- شيئًا نص القرآن المؤكد عليه. واعتبر هذا بما أخرجه أحمد وأبو داود عن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه، قال: كنت عند ابن عمر، فسئل عن أكل القنفذ، فتلا الآية {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} فقال شيخ عنده، سمعت أبا هريرة يقول: (ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (خبيثة من الخبائث) فقال ابن عمر: (إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله فهو كما قال) (٢).

فقوله (إن كان) مشعر بشكه فيه، وأنه إن فرض أنه قاله وجب قبولُه ... لأن الله أمر باتباعه، ولكن بمعنى أنه خبيث غير محرم كالثوم والبصل، ويكثر في أحاديث


(١) نيل الأوطار جـ ٨ ص ١١٦.
(٢) هذا هو فهم ابن عمر رضي الله عنهما، أما الشيخ فله فهم آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>