رأيناه يحدثنا عن العقيدة كما يصورها القرآن سهلة ميسرة، مبينًا أن أصول العقيدة ينبغي ألا تؤخذ إلا من النبع الصافي، وهو كتاب الله وسنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويوازن بين أدلة القرآن في حيويتها ووضوحها، وبين ما تسرب إلينا من الفلسفة اليونانية في جفافها وجمودها وتجريدها عن واقع الناس ومشاعرهم.
يقول في هذا المعنى (١): (أما مسائل العقائد في الإلهيات، فقد فصلت أبلغ تفصيل، بأساليب القرآن العالية الجامعة بين الإقناع والتأثير، كبيان صفات الله في سياق بيان أفعاله وسننه في الخلق والتكوين والتقدير والتدبير وآياته في الأنفس، والآفاق وطبائع الاجتماع، وملكات الأخلاق، وتأثير العقائد في الأعمال وما يترتب عليها في الدارين من الجزاء، وناهيك بإيراد الحقيقة بأسلوب المناظرة والجدال، أو ورودها جوابًا بعد سؤال، أو تجليها في بروز الوقائع وضروب الأمثال. وهذا الأسلوب أعلى الأساليب، وأكملها، جمعًا بين إقناع العقول والتأثير في القلوب، فيقترن اليقين في الإيمان بحب التعظيم وخشوع الخوف والرجاء، وفي أثناء ذلك يذكر شبهات المشركين والكفار، فيكون مَثلُها فيه كقطعة الطين الآسن، تلقى في غدير صاف، يتدفق من صخر على حصاه كالدر، لا تلبث أن تتضاءل وتختفي، ولا تكدر له صفوًا، حتى إنه ليستغني بمجرد بيانه عن وصف قبحها، والحجة على بطلانها، فكيف وهي تقترن غالبًا بالوصف الكاشف لما غشيها من التلبيس، أو يقضى عليها بالبرهان الدامغ، لما فيها من الأباطيل، ولا تغفل عن أسلوب إحالة المخاطبين، على ما أودع في غرائزهم وفطرهم، وتذكيرهم بمعارضته؛ لما ألفوا من تقاليدهم وفساد نظرهم، ولا عن أسلوب إنذار سوء المغبة في العاجلة، وسوء العاقبة والمصير في الآخرة.
أضلت الفلسفة اليونانية علماء الكلام عن هذه الأساليب العليا، فلم يهتدوا بها، ولا اقتدوا بشيء منها، بل طفقوا يلقنون النّشْئ الإسلامي، صفات الله تعالى