مسرودة سردًا ومعدودة عدًا، معرفة بحدود ناقصة، أو رسوم دارسة، مقرونة بأدلة نظرية وتشكيكات جدلية، لا تثمر إيمان الإذعان، ولا خشية الديان، ولا حب الرحمن بل تثير رواكد الشبهات وتتعارض في إثباتها دلائل النظريات).
يقينًا لا يظن من يقرأ مثل هذا القول، بأن المفسر رحمه الله، يمكن أن يشحن كتابه بمسائل علم الكلام المشوب بالفلسفة، حتى إن كثيرًا من الموضوعات التي تقرأ في هذا الكتاب، يشعر قارئها كأنما يقرأ (مواقف العضد) أو (مقاصد السعد) وما ضارعهما، فلقد بسط الشيخ الكلام في القضاء والقدر، والحسن والقبح، والصلاح والأصلح، والثواب والعقاب، بل نجده كثيرًا ما يحاول أن يتعقب ما قاله العلماء، وإن كان بعيدًا عن موضوع الآية، ليرده، بنقضٍ أو معارضة، وهو في هذا كله شديد الوطأة في حكمه، وبخاصة على الأشاعرة الذين يحلو له أن يسميهم بالجبريين، كما يسميهم المعتزلة، ونظرة في تفسير الشيخ تطلعنا على كثير من هذا، بل على كثير مما لم يدر في خلد أحد أن يقوله الشيخ، ولا بد أن نستعرض نماذج من تفسيره توضح ما ذهبت إليه:
أ- يقول عند تفسير قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ}[النساء: ٤٠] من سورة النساء (١): (وما أخطأ كثير من العلماء في فهم كثير من الآيات، إلا لذهولهم عن مقارنة الآيات المتناسبة بعضها ببعض، واستبدالهم بذلك تحكيم الاصطلاحات والقواعد التي وضعها علماء مذاهبهم، وإرجاع الآيات إليها وحملها عليها، فهذا يستشكل نفي الظلم عن الله عز وجل، لأن العبيد لا يستحقون عنده شيئًا من الأجر، فيكون منعه أو النقص منه ظلمًا. ثم يجيب عن ذلك بأنه بالنسبة إلى الوعد فهو قد وعد بإثابة المحسن، وأوعد بعقاب المسيء، ثم جعلوا جواز تخلف الوعد أو الوعيد محل بحث وجدال أيضًا، فهذا يقول إن إثابة المحسن، وعقاب المسيء، أمر حسن في ذاته، وموافق