للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأجساد بأعيانها.

ولكن لهذه المسألة وجهًا آخر من النظر العلمي، وهو هل خلق الله للبشر في التكوين الأول جراثيم حية تتسلسل في سلائلهم التناسلية؟ فإن مسألة أصول الأحياء كلها من أخفى مسائل الخلق، والقاعدة المبنية على التجارب والمباحث الكثيرة أن كل حي يوجد في الأرض في حالها هذه فهو من أصل حي كما تقدم، وإن كل أصل من جراثيم الأحياء الحيوانية والنباتية يندمج فيه جميع مقوماته ومشخصاته التي يكون عليها إذا قدر له أن يولد وينمى ويكمل خلقه، فنواة النخلة مشتملة على كل خواص النخلة التي تنبت منها حتى لون بسرها وشكله ودرجة حلاوته عندما يصير رطبًا فتمرًا، ولا يعلم أحد من البشر كيف وجدت هذه الأصول والجراثيم في التكوين الأول، سواء منهم القائلون بخلق الأنواع دفعة واحدة والقائلون بالخلق التدريجي على قاعدة النشوء والارتقاء، إلا أن لهؤلاء نظرية في تصوير التكوين الأول من مادة زلالية مكونة عن عناصر مختلفة لها قوى التغذي والانقسام والتوالد في وقت كانت طبيعة الأرض فيها غير طبيعتها في هذا الزمن وما يشبهه منذ ألوف الألوف من السنين، ولكن كيف صار لما لا يحصى من أنواع النبات والحيوان الدنيا والوسطى والعليا جراثيم مشتملة على ما أشرنا إليه من الخواص والأسرار لا تتولد إلا منها؟ إنهم ليسوا على علم صحيح بهذا ولا بما قبله. {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: ٥١].

أطال شيخنا حسين الجسر رحمه الله تعالى في المسألة فأثبت أنها من الممكنات، إذ لا محال في إبداع الملايين الكثيرة من النسم في ظهر آدم، وقد ثبت عند علماء هذا العصر أن في نقطة الماء من الجراثيم الحية بعدد جميع من على الأرض من البشر، وارتأى أن مستودعها من آدم كان في منيه (وإنها كانت تخرج منه بالوقاع (قال) (فتحل في البزور التي تنفصل من مبيض زوجته، فيكون هياكلها من تلك البزور مع السائل المنوي، ويطورها أطوارًا، حتى تبلغ صورة الهيكل

<<  <  ج: ص:  >  >>