اللذات والآلام الحسية، وعرفوه من الكمالات والنقصانات البدنية، فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال للمعاد الحقيقي، ترغيبًا وترهيبًا للعوالم، وتميمًا لأمر النظام. وهذا ما قاله أبو نصر الفارابي: إن الكلام مُثُل وخيالات للفلسفة.
(قلنا) إنما يجب التأويل عند تعذر الظاهر، ولا تعذر ههنا، سيما على القول بكون البدن المعاد مثل الأول لا عينه، وما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء ونصوص الكتاب على الإشارة إلى مثال معاد النفس، والرعاية لمصلحة العامة، نسبة للأنبياء إلى الكذب فيما يتعلق بالتبليغ، والقصد إلى تضليل أكثر الخلائق، والتعصب طول العمر لترويج الباطل وإخفاء الحق؛ لأنهم لا يفهمون إلا هذه الظواهر التي لا حقيقة لها عندكم. نعم لو قيل إن هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام وثبوتها في نفس الأمر، مثل للمعاد الروحاني، واللذات والآلام العقلية، وكذا أكثر ظواهر القرآن على ما يذكره المحققون من علماء الإسلام لكان حقًّا لا ريب فيه، ولا اعتداد بمن ينفيه أ. هـ. كلام التفتازاني.
ومن تأمل هذا من أهل عصرنا تظهر له دقة أفهام هؤلاء المتكلمين الذين صوروا الشبهة بنحو مما يؤخذ من أحدث ما قرره علماء هذا العصر في علم الكيمياء وغيره وأجابوا عنها بما يغني عن جواب آخر، وما قاله الفارابي وأمثاله فهو كأكثر فلسفتهم فيما وراء الطبيعة جهل بحقيقة الإنسان، وضلال في تأويل الأديان، فالإنسان روح الجسد، وكماله بحصول لذاته الروحية والجسدية جميعًا ولا تنافي بنيهما، ولو كان روحانيًا محضًا لكان ملكًا أو شيطانًا، ولم يكن إنسانًا وقد سبق لنا بيان هذه الحقيقة مرارًا.
وأما القول بالأجزاء الأصلية والأجزاء الفضلية فهو لا يدفع الشبهة، ولا تقوم به حجة، وتفسير الأجزاء الأصلية بالذر أو ما يشبهه الذي ورد أن الله جعله في صلب آدم وأخذ عليه الميثاق فهو غير ظاهر في هذا المقام إذ لا يصح أن تكون هذه الجراثيم المشبهة بالذر من أجزاء الجسد الظاهرة التي يعنيها من يقولون بحشر هذه