للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكليف إلى الممات ولا يقولون بذلك فالأولى التمسك بدليل السمع.

(وتقريره أن الحشر والإعادة أمر ممكن أخبر به الصادق فيكون واقعًا، أما الإمكان فلأن الكلام فيما عُدم بعد الوجود أو تفرق بعد الاجتماع أو مات بعد الحياة فيكون قابلًا لذلك، والفاعل هو الله القادر على كل الممكنات. العالم بجميع الكليات والجزئيات. وأما الأخبار فلما تواتر عن الأنبياء سيما نبينا عليه السلام أنهم كانوا يقولون بذلك، ولما ورد في القرآن من نصوص لا يحتمل أكثرها التأويل مثل قوله تعالى {قَال مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: ٧٨ - ٨٣] {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: ٥١] {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: ٥١ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤)} [القيامة: ٣ - ٤] {وَقَالوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: ٢١] {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: ٥٦] {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: ٤٤] {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} [العاديات: ٩] إلى غير ذلك من الآيات ومن الأحاديث أيضًا (وهي) كثيرة بالجملة فإثبات الحشر من ضروريات الدين وإنكاره كفر بيقين.

(فإن قيل) الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر وأظهر من الآيات المشعرة بالتشبيه والجبر والقدر ونحو ذلك، وقد وجب تأويلها قطعًا فلنصرف هذه أيضًا إلى بيان المعاد الروحاني، وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه يفهمه العوام. فإن الأنبياء مبعوثون إلى كافة الخلائق لإرشادهم إلى سبيل الحق، وتكميل نفوسهم بحسب القوة النظرية والعملية، وتبقية النظام المفضي إلى صلاح الكل، وذلك بالترغيب والترهيب بالوعد والوعيد، والبشارة بما يعتقدونه لذة وكمالًا والإنذار عما يعتقدونه ألمًا ونقصانًا. وأكثرهم عوام تقصر عقولهم عن فهم الكمالات الحقيقية. واللذات العقلية، وتقتصر على ما ألفوه من

<<  <  ج: ص:  >  >>