للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول بحسب الشخص، ولا امتناع إعادة المعدوم بعينه، وما شهدت به النصوص من كون أهل الجنة جردًا مردًا وكون ضرس الكافر مثل جبل أحد يعضد ذلك، وكذا قوله {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: ٥٦]، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١]، إشارة إلى هذا.

(فإن قيل) فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة، وارتكب المعصية (قلنا) العبرة في ذلك بالإدراك، وإنما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه، وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ولهذا يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة إنه هو بعينه وإن تبدلت الصور والهيئات، بل كثير من الآلات والأعضاء ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب إنها عقوبة لغير الجاني.

(قال) (لنا أن المعتمد في إثبات حشر الأجساد دليل السمع، والمفصح عنه غاية الإفصاح من الأديان دين الإسلام، ومن الكتب القرآن، ومن الأنبياء محمد عليه السلام، والمعتزلة يدعون إثباته بل وجوبه بدليل العقل -وتقريره إنه يجب على الله ثواب المطيعين، وعقاب العاصين، وإعراض المستحقين، ولا يتأتى ذلك إلا بإعادتهم بأعيانهم فيجب، لأن ما لا يتأتى الواجب إلا به فهو واجب، وربما يتمسكون بهذا في وجوب الإعادة على تقرير الفناء، ومبناه على أصلهم الفاسد في الوجوب على الله تعالى، وفي كون ترك الجزاء ظلمًا لا يصح صدوره من الله تعالى مع إمكان المناقشة في أن الواجب لا يتم إلا به، وأنه لا يكفي المعاد الروحاني، ويدفعون ذلك بأن المطيع والعاصي هي هذه الجملة أو الأجزاء الأصلية لا الروح وحدها، ولا يصل الجزاء إلى مستحقه إلا بإعادتها.

(والجواب) أنه إن اعتبر الأمر بحسب الحقيقة فالمستحق هو الروح؛ لأن مبنى الطاعة والعصيان على الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات، وهو المبدأ للكل، وإن اعتبر بحسب الظاهر، يلزم أن يعاد جميع الأجزاء الكائنة من أول

<<  <  ج: ص:  >  >>