للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجاب بعض العلماء عن هذا بان للجسد أجزاء أصلية وأجزاء فضلية، والذي يعاد بعينه هو الأصلي دون الفضلة، وجعل بعضهم الأصلي عبارة عن ذرات صغيرة كعجب الذنب الذي ورد أنه كحبة خردل، بل جوز أن تكون هي التي ورد أن الله تعالى أودعها في صلب آدم أبي البشر بصورة الذر، كما روي في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢]، الآية- وسيأتي تحقيق معناها وما ورد فيها في تفسير هذه السورة -وجوز شيخنا الشيخ حسين الجسر في الرسالة الحميدية أن يكون ذلك الذر مما لا يدركه الطرف؛ لتناهي صغره، كالأحياء المجهرية أي التي لا ترى إلا بالمنظار المسمى بالمجهر (الميكروسكوب).

وقد بينا في غير هذا الموضع أن التزام القول بوجوب حشر الأجساد التي كانت لكل حي بأعيانها لأجل وقوع الجزاء عليها غير لازم لتحقيق العدل، فجميع قضاة العالم المدني في هذا العصر يعتقدون أن أبدان البشر تتجدد في سنين قليلة، ولا يوجد أحد منهم ولا من غيرهم من العقلاء يقول إن العقاب يسقط عن الجاني بانحلال أجزاء بدنه التي زاول بها الجناية وتبدل غيرها بها، فما لم يكن عندنا نص صريح من القرآن أو الحديث المتواتر على بعث الأجساد بأعيانها فما نحن بملزمين قبول الإيراد وتكلف دفعه، فإن حقيقة الإنسان لا تتغير بهذا التبدل فقد تبدلت أجسادنا مرارًا ولم تتبدل بها حقيقتنا ولا مداركنا، ولا تأثير الأعمال التي زاولناها قبل التبدل في أنفسنا، بل لم يكن هذا التبدل إلا كتبدل الثياب كما بيناه من قبل، وقد قال بعض أعلام المتكلمين بمثل هذا ولم تكن المسألة الأخيرة معلومة في عصرهم، قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد -وهو أشهر كتب الكلام في التحقيق- بعد بيانه لما قاله الغزالي في إثبات كون الحشر والمعاد للروح والجسد جميعًا ما نصه: (نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنًا، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ولا يضرنا كونه غير البدن

<<  <  ج: ص:  >  >>