إشكالات أخرى كانت تعرض لأفكار أهل الجاهلية في إعادتها، إذ عند ذكر البعث لا تنصرف أفكارهم إلا إلى إعادة هذا الهيكل المشاهد لهم، فيقولون كيف تعود الحياة للعظام بعد أن تصير رميمًا؟ فتدفع هذه النصوص إشكالاتهم بقدرة الله الشاملة وعلمه المحيط (قال): وهذا لا ينافي التوجيه الذي تقدم في إعادة الأجزاء الأصلية التي هي الذرات لتدفع به الإشكالات الأخرى التي تقدمت فليتأمل أ. هـ. ثم صرح بأنه لا يقول إن ما حرره مما يجب اعتقاده، وإنما هو لدفع الإشكال عمن يعرض له.
فهذا ملخص رأيه رحمه الله تعالى وغايته أنه مبني على تأويل بعض الآيات كغيره. وليس فيه إلا محاولة الجمع بين ما ورد في خلق ذرية آدم وقول من قال بالفرق بين الأجزاء الأصلية والفضلية، وهو تكلف لا حاجة إليه ولا يمكن أن يكون المراد بالأجزاء الأصلية لكل فرد ذرة حية في بدنه كالأجنة التي لا تري في الماء والدم وغيرهما بغير المنظار المكبر (المجهر).
نعم إنه يجوز عقلًا أن يحمل الحيوان المنوي الذي يلقح بويضة المرأة في الرحم ذرة حية هي أصل الإنسان، كما يجوز أن يكون هذا الحيوان المنوي نفسه هو الذي ينمى في البويضة ويكون إنسانًا، وأن يكون أصله ما يتولد من ازوداج خليته بخليتها كما سيأتي، وأيها كان أصل الإنسان فإنما يكون كذلك بكبره ونمائه، كما تكون نواه الشجرة شجرة باسقة مثمرة، وبذلك يكون الفرع عين الأصل، فلا يكون له أصل آخر بشكل مصغر في هذا الهيكل، لا في القلب ولا في المني. وإنما قد يكون في هيكله أصل وأصول لأناسي آخرين يكونون فروعًا إذا أراد الله ذلك، كما يكون للنخلة النابتة من النواة نوي كثيرة يمكن أن ينبت منها نخل كثير.
وأما المعروف عند علماء العصر في هذا الشأن فهو أن سر حركة القلب، وإن كان لا يزال مجهولًا، فمن المعلوم أن الدم الوارد منه إلى الخصيتين هو الذي يغذيهما وبتغذيتهما به تنقسم خلاياهما، فتتولد الحيوانات المنوية من انقسامها، وتلك سنة الله في جميع الأحياء، تتغذي وتنمى بالتوالد الذي يكون من انقسام