للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر (إن يكن هو فلن تستطيع قتله) (١). ويقول العلامة الطيبي: (لمّا تيقن عليه السلام بالوحي، أنه من قبل المشرق نفى الأولين، وظاهر العبارة يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صدق تميمًا في أول الأمر، ولذلك قال: (ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن بالتأكيد بـ (إن) والبدء بأداة الاستفتاح (ألا). ثم كوشف في موقفه بأنه ليس في هذا ولا ذاك بل في جهة المشرق).

وكأن الشيخ شعر بما لإنكار روايات الدجال من نتائج خطيرة، لذا نراه يستدرك بقوله: (وجملة أخبار الدجال قالوا إنها متواترة، يعنون التواتر المعنوي، وهو أن لها أصلًا، وإن لم يتواتر شيء من رواياتها، ويدل القدر المشترك منها على أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كشف له وتمثل له ظهور دجال في آخر الزمان، يظهر للناس خوارق كثيرة وغرائب يفتتن بها خلق كثير، وأنه من اليهود، وأن المسلمين يقاتلونه ويقاتلون اليهود في هذه البلاد المقدسة وينتصرون عليهم، وقد كشف له ذلك مجملًا غير مفصل ولا بوحي عن الله تعالى -كما كشف عن غير ذلك من الفتن- فذكره فتناقله الرواة بالمعنى فأخطأ كثير منهم، وتعمد الذين كانوا يبثون الإسرائيليات الدس في رواياته، ولا يبعد أن يقوم طلابُ الملك من اليهود الصهيونيين بتدبير فتنة في هذا المعنى، ويستعينون عليها بخوارق العلوم والفنون العصرية كالكهرباء والكيمياء وغير ذلك والله أعلم (٢).

وها هم اليهود قد اتخذوا من بلاد المسلمين مباءة ووطنًا، ولا ندري أين سيكون هذا الدجال المرتقب، أفي فلسطين وما يتبعها مما يحتله اليهود؟ ! الحق أن هذه أمور غيبية ينبغي ألا نماري فيها، وألا نحاول إخضاعها لمقاييس عقولنا ومعارفنا المحدودة.


(١) شرح أحاديث ابن صياد من صحيح مسلم- شرح النووي جـ ١٨ ص ٤٦.
(٢) تفسير المنار جـ ٩ ص ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>