للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير المستطاع، فالله تعالى يقول {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وإنما قرر القرآن في موضوعها الجمع بين العدل والفضل والمصلحة قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٠ - ٤٣]، ولا يخفى أن العفو والمغفرة للمسيء، إنما تكون من القادر على الانتصار لنفسه، وبذلك يظهر فضله على من عفا عنه، فيكون سببًا لاستبدال المودة بالعداوة، في مكان الإغراء بالتعدي ودوام الظلم ... أفليس هذا الإصلاح الأعلى، على لسان أفضل النبيين والمرشدين، دليلًا على أنه وحي من الله تعالى وقد أكمل به الدين؟ بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ولا يجحده إلا من سفه نفسه فكان من الجاهلين.

(الثانية) مبالغة المسيح عليه السلام في التزهيد في الدنيا، والأمر بتركها، وذم الغني، حتى جعل دخول الجمل في ثقب الإبرة أيسر من دخول الغني ملكوت السماوات ... أما الإسلام فهو دين البشر العام الدائم، فلا يقر إلا ما هو لمصلحة الناس كلهم في دينهم ودنياهم، وهو في هذه المسألة، ذم استعمال المال فيما يضر من الإسراف والطغيان، وذم أكله بالباطل، ومنع الحقوق المفروضة فيه، والبخل به عن الفقراء والضعفاء ومدح أخذه بحقه ليكونَ عونًا للنفس على حفظ حقيقتها واستقلالها، فهذه المسألة وما قبلها مما أكمل الله تعالى به الدين، فيما أوحاه من كتابه إلى محمد رسول -صلى الله عليه وسلم- وخاتم النبيين، وما كان لرجل أمي ولا متعلم، أن يصل بعقله إلى أمثال هذا الإصلاح، لتعاليم الكتب السماوية التي يتعبد بها الملايين من البشر.

٥ - ويرد على شبهة لمقلدي الفلاسفة، يزعمون فيها أن الكمال البشري أن يعمل الإنسان الخير لذاته، أو لأنه خير لا لعلة، ويعدون من أكبر العلل، أن يعمله

<<  <  ج: ص:  >  >>