للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الاستطرادات تخرج بالقارئ في كثير من الأحيان عن موضوع الآية، كما أنها ليست دائمًا تتعلق بمسائل الدين، أو قضايا اللغة، بل تتعداها إلى بعض المسائل الكونية كالنبات والفلك والرياحِ، فتراه يكتب بعد تفسيره لقول الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)} [الأعراف: ٥٨]، من سورة الأعراف، استطرادًا في بيان بعض نعم الله على الخلق بالهواء والرياح، يتكلم عن تركيب الهواء وفائدته للحياة يقول فيه: "الهواء جسم لطيف مما يعبر عنه علماء الكيمياء بالغاز، لا لون له ولا رائحة، مركب تركيبًا مزجيًا من عنصرين غازيين أصليين، يسمون أحدهما الأكسجين وخاصته توليد الاحتراق والاشتعال وإحداث الصدأ في المعادن، وهو سبب حياة الأحياء كلها من نبات وحيوان وإنسان، وثانيهما (الهيدروجين) " ... والنبات يمتص الكربون السام من الهواء، فيتغذى به كما تقدم، ويدع الأكسجين للحيوان، فكل منهما يأخذ منه حظه، ويفيد في الحياة صنوه، كما قلنا في المقصورة:

والباسقات رفعت أكفها. . . تستنزل الغيث وتطلب الندى

تمتلج الكربون من ضرع الهوى. . . تؤثرنا بالأكسجين المنتقى (١)

ولقد شعر رحمه الله بذلك، فحاول أن يكتب تفسيرًا مختصرًا، يجعله كالمتن لهذا التفسير على حد تعبير الأمير شكيب أرسلان رحمه الله، إلا أن المنية عاجلته فلم يكتب منه إلا بعض الأجزاء، وسماه (التفسير المختصر المفيد)، ولكي ندرك قيمة هذا المختصر من ناحية والفرق بينه وبين تفسير المنار من ناحية أخرى، نورد تفسيرًا لآية البر من سورة البقرة (٢)، يقول:

{الْبِرَّ} بكسر الباء لغة التوسع في الخير، وقرئ بالنصب والرفع، وشرعًا ما يتقرب به إلى الله تعالى من الإيمان والأخلاق والأعمال الصالحة، وتوجيه الوجوه


(١) تفسير المنار جـ ٨ ص ٤٨٢ - ٤٨٣.
(٢) الآية (١٧٧) من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>