ونتساءل هنا إذا كانت الآخرة وما فيها غيبًا من الغيوب، التي ليس لها طريق إلا خبر المعصوم، وإذا كان لا يعدل عن الحقيقة بغيرها إلا بسبب، فما هو الداعي الذي دعانا إلى حمل هذه الآيات على الكناية والتمثيل؟ يجيب الشيخ عن هذا التساؤل:
أولًا: إن دار الآخرة دار الكمال المطلق، وهي مغايرة بطبيعتها وسننها وجميع نواميسها لدار الدنيا.
ثانيًا: ذكر الوحي مشتهيات ومسرات وأسباب لذة وصنوف نعيم يتنافس بها العرب المخاطبون لذاك العهد، ويعدونها من أكرم الملذات.
ثالثًا: إن الوصائف والمطاعم والمشارب والملابس والأواني، وضروب الزينة، هي مما يزهد فيه كثيرون من أهل الدنيا لا نمثل لك بالأنبياء والصديقين والربانيين، بل ببعض ذوي النفوس الكبيرة والعقول الثاقبة والحكمة الرائعة من أبناء الدنيا) (١).
وما ذكره الشيخ من هذه الأسباب ليس مسوغًا للخروج عن الحقيقة، بل إن كل ما ذكره يمكن أن يناقش ويرد، ويقيني أنه ليس هذا هو السبب الحقيقي، بل إن السبب الحقيقي وراء هذا كله شعور داخلي يطارد كثيرًا من الناس، الذين يظنون أن ما يشيعه خصوم الإسلام من تهم وافتراءات وتقولات، يحتم علينا أن نقف موقفًا دفاعيًا، فنتأول الآيات ونخرجها عن حقيقتها. من أجل ما يقول أولئك، إنه انهزام مع كل أسف، ولعلي لا أتجنى على الحقيقة كما تجنى عليها هؤلاء، وإذا رجعنا إلى بعض عبارات الشيخ ندرك السبب الحقيقي الذي من أجله يعدل عن الحقيقة إلى غيرها، يقول الشيخ:(ولا سيما أن الزنادقة مبغضي الإسلام، قاموا في هذه الأزمنة المتأخرة، فأكثروا من تعيير المسلمين، والقدح فيهم وفي دينهم، وأكبر تكأة يتكئون عليها في ذلك عقيدة (ملذات الجنة) مُذْ يسمعوننا -معشر المسلمين- نأخذ