للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسرار لغة العرب -كما يقول- ويذكر دليلًا على رأيه هذا، قولين ينسبهما إلى الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والسلام:

أما الأول فيقول: إن عمرو بن قميئة قال للنبي إنك تزعم أن عيسى نبي، فكيف تقول (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون؟ ) فيجيبه الرسول ويحك ما أجهلك بلغة قومك إن (ما) لما لا يعقل وإن (من) لمن يعقل.

أما الثاني فيقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن).

وأقول والألم يحز في نفسي: أما القول الأول فمع أنه باطل من ناحية المعنى والدراية فإنه كذلك مردود من ناحية الرواية، ولهذا قال الحافظ: إنه موضوع وإنه يعجب ممن ينقله (١). وأما الثاني فقد أورده ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن أبي جعفر الأنصاري وهو ضعيف معضل (٢).

وهكذا نجد بعض العلماء ممن يتصدون لأخطر مهمة، وهي تفسير كتاب الله لا يكلفون أنفسهم التحري في رواية حديث، مع أن ذلك ليس فيه جهد ومشقة، فقد كفانا الأئمة، جزاهم الله خيرًا، مؤونة العناء بما بحثوه ودونوه.

ثالثًا: الشيخ والنظريات العلمية: القرآن كتاب الإنسانية الخالد، جاء يصحح لها معتقداتها وآراءها، ويبين لها طريقة البحث كي لا تضل الطريق، وكتاب هذا شأنه، لا يتصور أبدًا، أن يجاري الناس فيما ألفوه وعرفوه، وإن كان بعيدًا عن الواقع، مجافيًا للحقيقة، ولكن بعض علمائنا سامحهم الله، وعفا عنهم لا يجدون حرجًا من أن يُعلنوا مجاهرين بأن القرآن قرر بعض الأمور، مجاراة لأفهام الناس ومعلوماتهم، بقطع النظر عن حقيقة هذه الأمور في الواقع ونفس الأمر، وما يقررونه مع مجافاته للصواب، فإنما يحمل معه نتائجه الخطيرة في آثارها، والسيئة في عواقبها.


(١) روح المعاني جـ ١٧ ص ٩٤.
(٢) فيض القدير جـ ١ ص ٥٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>