للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباطلة والأخلاق السافلة، الذين أفسدوا في الأرض وانحرفوا عن جادة الدين، إلا إذا أذن له ربه، ونحو هذا قوله: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [هود: ١٠٥] وهذا تمثيل لانفراده بالملك والسلطان في ذلك اليوم، وأن أحدًا من عباده لا يجرؤ على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه -وإذنه غير معروفٍ لأحد من خلقه- وفي ذلك قطع لأمل الشافعين، والذين يركنون إلى الشفاعة، التي كان يقول بها المشركون وأهل الكتاب.

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي يعلم أمور الدنيا التي خلفوها، وأمور الآخرة التي يستقبلونها، وهذه الجملة مؤكدة لنفي الشفاعة، إذ من كان عالمًا بكل شيء فعله العباد في الماضي، وفيما هو حاضر بين أيديهم، وفيما يستقبلهم، وكان ما يجازيهم به مبنيًا على هذا العلم، كانت الشفاعة على هذا النحو المعروف ممَّا يستحيل عليه تعالى، لأنها لا تتحقق إلا بإعلام الشفيع المشفوع عنده، من أمر المشفوع له وما يستحقه ما لم يكن يعلم، وما ورد من أحاديث الشفاعة، فهو محمول على الدعاء، الذي يفعلُ الله تعالى عقبه ما سبق في علمه الأزلي أنه سيفعله، مع أننا نقطع بأن الشافع لا يغير شيئًا من علمه، ولا يحدث تأثيرًا في إرادته، وبذلك تظهر كرامة الله لعبده، بما أوقع من الفعل عقب دعائه، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.

{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} أي ان أحدًا من خلقه لا يحيط بما يعلمه إلا إذا شاء ذلك، والشفاعة تتوقف على إذنه تعالى، واذنه لا يعلم إلا بوحي منه، وإنما يعرف إذنه تعالى بما حدده من الأحكام في كتابه، فمن بين أنه مستحق لعقابه فلا يجرؤ أحد أن يدعو له بالنجاة، ومن بين أنه مستحق لرضوانه على هفوات زلَّ بها، لم تحول وجهه عن الله تعالى، إلى الباطل والفساد، ولم تدس روحه حتى تسترسل في الخطايا، فهو واصل إليه على ما وعد به في كتابه، وما تفضل به على عباده.

<<  <  ج: ص:  >  >>