للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي إن علمه تعالى محيط بما يعلمون مما عبر عنه بقوله {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}، وبما لا يعلمون من شؤون سائر الكائنات، ويرى جمع من المفسرين منهم القفال والزمخشري، أن الكلام تصوير لعظمته وتمثيل لكبريائه، ولا كرسي ولا قيام ولا قعود، وقد خاطب سبحانه عباده في تعريف ذاته وصفاته، بما اعتادوه في ملوكهم وعظمائهم.

والخلاصة -أن الكرسي شيء يضبط السماوات والأرض، نسلم به بدون بحث في تعيينه، ولا كشف عن حقيقته، ولا كلام فيه بالرأي دون نص عن المعصوم.

{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي ولا يثقله حفظ هذه العوالم بما فيها، ولا يشق عليه ذلك، وإنما لم يذكر ما فيهما لأن حفظهما مستتبع لحفظه.

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} أي وهو المتعالي عن الأنداد والأشباه، العظيم على كل شيء سواه، فهو المنزه بعظمته عن الاحتياج إلى من يعلمه بحقيقة أحوالهم ويستنزله عما يريد من مجازاتهم على أعمالهم.

والخلاصة -أن هذه الآية تملأ القلب مهابة من الله وجلاله وكماله، حتى لا تدع موضعًا للشفعاء الذين يعظمهم المغرورون، ويتكلمون على شفاعتهم، فأوقعهم ذلك في ترك المبالاة بالدين، فخويت القلوب من ذكر الله، وخلت من خشيته جهلًا منها بما يجب من معرفته، وأفسدت فطرتهم الأهواء والجهالات، فلا يجدون ما يلهون به إلا كلمة (الشفاعة)، ومن اغتر بها فشيطانه هو الذي يوسوس له ويمده في الغي.

فهذه النفوس لم تعرف عظمة الله، ولم تستشعر بالحياء منه، ولم تحترم دينها وشريعتها، إذ آية ذلك بذل المال والروح في إعلاء كلمته، لا تعظيمه بالقول دون أن يصدق ذلك العمل.

وإنك لترى المسلمين يترنمون بهذه الآيات، وقلما تحدث لأحد منهم ذكرًا يصرفه عن الشفاعات، ويرجو النجاة بعمل الصالحات، وهو مؤمن كما وعد الله

<<  <  ج: ص:  >  >>