وألفاظ لا تملها، وأمثلة من المشاهدات تحسها عادية تمر بك كل يوم، فلا تلقي لها بالًا. ثم يفرغ من ملاحظته، فإذا بك تحسبها مسألة عويصة، فيها من الدروس والحكم ما يستوقفك ويستوحيك الفكر والتأمل والملاحظة والتعليل، فتعلم أنك تعيش في عالم كله دروس، وكله مسائل علمية، وكله يسترعي النظر، وكله يتطلب التأمل والفحص.
هذا هو الشيخ طنطاوي في شرحه المسائل، وفي تقديره الأبحاث العلمية أو تفسير الآيات القرآنية، في دائرة الدرس المحدود المنهج، المحدود الزمن المقيد بعدد من المستمعين.
عرفته أيضًا مؤلفًا يقرأ الإنسان كتابًا من كتبه، فلا يتعثر في لفظه، ولا يستصعب فكره، وكأنه قاص يقص عليك ألذ الحكايات وأغرب الوقائع، صاعدًا هابطًا يجوب بك الآفاق، ويخترق الحجب، ويغور وينجد، ولا تجد صعوبة في كل ذلك، اللهم إلا ما تحس من أنك أمام مشاكل علمية، ونظريات دقيقة ونتائج مدهشة، ما كنت لتدركها لو لم تقرأ هذا الكتاب.
لم تشتهر في الشرق شخصية من المصريين، كما اشتهر الشيخ، فقد كان السائح الشرقي إذا رحل إلى مصر، سأل عن الشيخ في رحلته، كما يسأل الأوروبيون أو الأمريكيون عن الأهرام، فهو معروف في الهند وفارس والصين وأندونيسيا وتركستان، وقد يسمي أهل تركستان مدارسه وجامعاتهم وكتبهم باسمه، فيقولون جامعة طنطاوية ومدارس جوهوية، وعقائد جوهرية، لما يرون فيه من رمز لحجة الإسلام.
لم يكن الشيخ عالمًا كسائر العلماء، بل كان ممتازًا في كل النواحي، فهو عالم ديني إسلامي وطني، وهو عالم اجتماعي عالمي، جامع بين الثقافتين الدينية والحديثة، ومازج المسائل الدينية بالآراء الاجتماعية والسياسية، ها هو حقق الجهاد بعلمه وبرأيه في رفعة شأن الإسلام والانتصار لمبادئه، مظهرًا أنه دين العقل