للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرأيتم كيف يتولى الله رزق الضعفاء حين يتخلى عنه أقرب الأقرباء الرحماء؟ إنها منتهى الرحمة وكمال الربوبية؛ رُحماك ربي، تمتلئ بطوننا، وتمتد ثرواتنا، وتتضخم أرصدتنا، ولا نزال نلهث وراء الدنيا، وربما خرجنا ولم نستمتع بما جمعنا، وربما صعب علينا إنفاقُ القليل منها .. ولو كان في ذلك الخير لنا ما هذا السُّعار، وما هذا اللهاثُ ..

أين نحن من قوم هانت عليهم الدنيا، والتفتوا بهمم عالية إلى الأخرى .. وربما خروا على الأرض صرعى من الفاقة، والمخمصة فيظن الغريب أن بهم مسًا من الجنون، وما هو إلا الجوع، عن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يَخِرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخصاصة- وهم أصحاب الصفة- حتى يقول الأعراب هؤلاء مجانين، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم فقال: «لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجة» (١).

أين التوكل على الله والرضا بما قسم، والشكر على ما أنعم في الحاضر، والثقة برزق الله في المستقبل: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وتروح بطانًا» (٢).

ألا ما أحوجنا- جميعًا- إلى أن نأخذ هذا المال بسخاوة وطيب نفس، فذلك الذي يُبارك له فيه، أما الشرهُ والطمع والحرص والشح؛ فتلك تورد المرء موارد الردى، وهل تُروي البحار ظمأ العطش؟ تلك وصيةٌ من وصايا المصطفى صلى الله عليه وسلم: «يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرٌ حُلو، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له


(١) الحديث رواه الترمذي وقال حديث صحيح (رياض الصالحين ١٩٤).
(٢) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، والحاكم بسند صحيح (صحيح الجامع الصغير ٥/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>