وقال لموسى- عليه السلام-: {لنريك من آياتنا الكبرى}(١).
فإذا أبصر الأنبياءُ عليهم السلام- من آيات ربهم- ما لم يبصره غيرُهم، حصل لهم من علم اليقين ما لم يحصل لغيرهم، وتحملوا في ذات الله ما لا يتحملُه غيرُهم، وكان ذلك عونًا للأمة على تصديقهم والإيمانِ برسالاتِهم، والانقيادِ لدعوتهم، إنها رحلةٌ عجيبةٌ حقًّا لكنها تليقُ بمقامِ الأنبياء-عليهم السلام- وهاكم شيئًا من عجائبها لقد أُسري به يقظةً لا منامًا وبروحِه وجسدِه كما قرر العلماء. من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البُراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابَة عند الباب، ودخل فصلى في قبلته تحيةَ المسجد ركعتين، ثم أتى المعراج وهو كالسُّلمِ ذو درج رقي فيه، فصعد إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السماواتِ السبع فتلقاه من كلِّ سماءٍ مقربوها، وسلم عليه الأنبياءُ الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مرَّ بموسى الكليم في السادسة وإبراهيم الخليلِ في السابعة، ثم جاوز منزلتَهما صلى الله عليه وسلم وعليهما على سائرِ الأنبياء حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام أي أقلامَ القِدر بما هو كائن، ورأى سدرةَ المنتهى، وغشيَها من أمرِ اللهِ تعالى عظمةً عظيمة من فَراشٍ من ذهبٍ وألوانٍ متعددةٍ وغشيتها الملائكةُ، ورأى هناك جبريلَ على صورتِه، له ستمائةُ جناح ورأى رفرفًا أخضرَ قد سدَّ الأفق، ورأى البيتَ المعمور- وهو الكعبة السماويةُ يدخله كلَّ يوم سبعون ألفًا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ورأى الجنةَ والنار، وفرض اللهُ عليه هناك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمةً منه ولطفًا على عباده وفي هذا اعتناءٌ عظيم بشرف الصلاة وعظمتها .. ثم هبط إلى بيتِ المقدس وهبطَ معه الأنبياءُ فصلى بهم لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها صلاة الصبح- كما ساقه ابن كثير- وأظهر له من شرفه