للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة .. ثم خرج من بيت المقدسِ وركب البراق وعاد إلى مكة بغلس (١).

أيها المسلمون! هذا جزءٌ من عظمةِ حادثة الإسراء والمعراج التي تضافرت نصوص القرآنِ والسنةِ على ذكرها، وكما أن فيها كرامةً للنبي صلى الله عليه وسلم ففيها كرامةٌ لأمته أمةِ الإسلام، فالقيادةُ ينبغي أن تنتقلَ إليها حينما تخلت الأمم السالفة عن قيادتها، والمقدساتُ الإسلامية ينبغي أن تكون مسئولةً عنها حينما قصرت الأممُ الأخرى في رعايتها ..

والمتأمل في سورة الإسراءِ يرى أن الله ذكر قصةَ الإسراءِ في آيةٍ واحدةٍ فقط ثم أخذ في ذكر فضائح اليهود وجرائمهم، ثم نبههم بأن هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقوم، وربما ظنَّ بعضُ الناس أن الآيات ليس بينهما ترابط، والأمرُ ليس لذلك، فإن الله تعالى يُشير بهذا الأسلوب إلى أن الإسراءَ إنما وقع إلى بيت المقدسِ لأن اليهودَ سيعزلون عن منصب قيادةِ الأمةِ الإنسانية لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجالٌ لبقائهم على هذا المنصب، وأن اللهَ سينقلُ هذا المنصب إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، ويجمع له مركزي الدعوة الإبراهيمية كليهما، فقد آن الأوانُ أن تنتقلَ القيادةُ من أمة إلى أمةٍ، من أمةٍ ملأت تاريخها بالغدر والخيانةِ والإثم والعدوان، إلى أمةٍ تتدفق بالبرِّ والخيرات، ولا يزال رسولُها يتمتع بوحي القرآنِ الذي يهدي للتي هي أقوم (٢).

أيها المسلمون! وليس بين اللهِ وبين أحدٍ من خلقِه نسبٌ، وأكرمُ الخلق عند الله أتقاهم، وحينما تتخلى أمةٌ-أي أمةٍ- عن رسالتها ومنهج ربَّها يُذِلُّها الله ويستبدلُها


(١) تفسير ابن كثير ٥/ ٤٠.
(٢) المباركفوري، الرحيق المختوم ص ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>