والمغصوب ونحوها، والثاني ما يُفسده بقدره وتعدي حدِّه كالإسرافِ في الحلالِ والشبعِ المُفرطِ، فإنه يُثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولةِ مؤنةِ البطنةِ حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولةِ تصرفها ووقايةِ ضررها، وقوى عليه موادَّ الشهوة، ووسع مجاري الشيطان، وقد قيل: من أكل كثيرًا، شربَ كثيرًا، فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا، من مشكاة النبوة قبسٌ يهدي ويقول عليه الصلاة والسلام:((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنه، فحسب ابنِ آدمَ لقيماتٌ يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلًا فثلثٌ لطعامه، وثلث لشرابه وثلثٌ لِنَفَسِه)).
أيها المسلم والمسلمة أما المفسدُ الرابعُ من مفسداتِ القلب فهو كثرةُ النومِ، فإنه- كما قال العارفون- يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوَقت، ويورث كثرةَ الغفلةِ والكسل، ومنه المكروهُ جدًّا، ومنه الضارُّ غيرُ النافعِ للبدن، وأنفعُ النوم: ما كان من شدةِ الحاجةِ إليه، ونومُ أول الليلِ أحمدُ وأنفعُ من آخره، ونومُ وسطِ النهارِ أنفعُ من طرفيه، وكلما قربَ النومُ من الطرفين قلَّ نفعهُ، لا سيما نومَ العصرِ وأولِ النهارِ إلا لسهران، ومن المكروهِ عندهم النومُ بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقتُ غنيمةٍ، وللسيرِ ذلك الوقت عند السالكين مزيةٌ عظيمةٌ، لو ساروا طولَ ليلهم لو يسمحوا بالقعودِ عن السيرِ ذلك الوقتِ حتى تطلعَ الشمس، فإنه أولُ النهارِ ومفتاحُه، ووقتُ نزولِ الأرزاقِ، وحصولُ القسم، وحلولُ البركة، ومنه نشأ النهار .. كما قالوا: إن أعدلَ النومِ وأنفعه نومُ نصفِ الليلِ الأولِ، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثمانِ ساعات، وذلك بعد أن تذهب فحمةُ العشاءِ وإذا كانت كثرةُ النومِ تورد هذه الآفات، فمدافعتهُ وهجره تورث آفاتٍ أخرى عظامًا من سوءِ المزاج وانحرافِ النفسِ، وجفافِ الرطوباتِ المعينةِ على الفهمِ والعملِ، وأمراضٍ أخرى، وما قام الوجودُ إلا بالعدل، وكلا طرفي قصد الأمورِ ذميم.