وتظل معه زوجته الوفية (أسماء بنتُ عميس رضي الله عنها) تشاركه المهمة .. وإن كانت تُحس بآلام الغربة، ولكنها وزوجها -والمهاجرين معهما- يحتسبون ذلك عند الله وتُعبر عن ذلك صراحة في حوارها مع الفاروق عمر رضي الله عنه قائلة: كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يُطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا في دار البعداء البغضاء وذلك في الله وفي رسوله (١).
أخوة الإسلام! حين يمتد بنا الحديث عن جوانب من حياة المهاجرين عامة، وحياة جعفر خاصة .. لا نرى أثرًا سلبيًّا للغربة في حياتهم، بل نجد حياتهم تُقضى في العبادة والدعوة .. والعلم والتعليم وكم في حياة جعفر ومن معه في الجيش من دروس موقظة وعبر تستحق الوقفة .. والفرق كبير بين جعفر في أداء مهمته في بلاد الحبشة .. وبين أعداد من شباب الأمة يذهب الذاهبُ منهم فترة من الزمن لا أقول غريبًا عن وطنه بل بعيدًا بعض الشيء عن أهله وخلانه، فيشعر بالغربة ويتطلع دائمًا للعودة .. وأنى له وهو في هذا الشعور أن ينتفع أو ينفع اللهُ به في تعليم كتاب الله، أو في الدعوة لدين الله - كما صنع جعفر والمهاجرون معه من قبلُ.
ويكفي المهاجرين فخرًا .. أن تصل دعوتهم إلى بلاط النجاشي ..
وفي مجلسه كتاب الله يُتلى .. وأمر الإسلام يُعظَّم في هذه البلاد النائية والنجاشي يُعلن إسلامه .. أو يُسر به لمصلحة لا تخفى، وتظل جهودُ المهاجرين في الحبشة ثمارًا يانعة يقتات منها الأفارقة .. والأشجار التي غرسوها ذات ظلال وارفة لا يزال أهل تلك الديار وما جاورها يستظلون بظلها ..
وفي جوانب العلم والتعليم تحدثنا الروايات أنهم كانوا يجتمعون في الحبشة