للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أصعب الحياة حين يبدأ الناس يتوجسون من حولهم خيفة، وحينها تكون الريبة محلَّ الثقة، ويحلُّ الشك محل اليقين، وما ذاك من أخلاق الإسلام ولا من سمات مجتمع المسلمين، ولكنها بلية النفاق وآثار المنافقين.

عباد الله! أعداء الأمة الإسلامية كثر، ولكنَّ حصر العداوة بالمنافقين في قوله تعالى: {هم العدو فاحذرهم} يُراد به إثبات الأولوية والأحقية للمنافقين في هذا الوصف ولا يراد منه أنه لا عدوَّ لكم سواهم، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوًّا من الكفار المجاهرين بكفرهم، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أيامًا ثم تنقضي، ويعقبها النصر والظفر. وهؤلاء -يعني المنافقين- معكم في الديار والمنازل، صباحا ومساءً، يدلّون العدوَّ على العورات، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر، ولا يمكن بل يصعب مناجزتهم (١).

قاتل الله المنافقين، وأبعد النفاق عن مجتمعات المسلمين، وكم يعصر الفؤاد أن تتعامل مع شخص وأنت تظنه من الأخيار، فإذا به سبع كاشر وهو في دخيلته من الأشرار، بلية وسوء طوية، ودناءة أن يتظاهر المرء بالصلاح والتقى خداعًا ونفاقا، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، ويح المنافقين يظنون أنهم يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .. وخابوا وخسروا وإن زعموا الإصلاح فهم مفسدون بشهادة العليم الخبير: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} (٢).

ومهما تطاولوا على أهل الإيمان، ورموهم بالسفاهة أو غيرها من رديء الألفاظ


(١) بتصرف عن طريق الهجرتين، لابن القيم ص ٤٠٢ - ٤٠٤.
(٢) سورة البقرة، الآيتان: ١١، ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>