للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الصنف الآخر فهم مثلك -يعني يحيى - معصومون لا نقدر منهم على شيء (١).

أيها المسلمون! وللشيطان مداخل ومنافذ على الإنسان، ووسائل للإغراء والإضلال، ولا شك أن القلب أعظمُ مداخله وأوسع منافذه.

يقول ابن القيم في «إغاثة اللهفان»:

ولما علم عدوُّ الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه، أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصدُّه عن الطريق، وأمدَّه من أسباب الغَيِّ بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصائد والحبائل، فإن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته، والتحقق بِذُلِّ العبودية للدخول في ضمان: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (٢).

ويصوّر ابن الجوزي رحمه الله في «تلبيس إبليس» أسوار القلب المنيعة، وجنود الشيطان المتسللة من أي ثغرة، والمعركة الدائرة؛ فيقول:

واعلم أن القلب كالحصن، وعلى ذلك الحصن سورٌ، وللسور أبواب وفيه ثُلَمٌ -أي نوافذ - وساكنهُ العقل، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن، وعلى جانبه رُبضٌ فيه الهوى، والشيطان يختلف إلى ذلك الربض من غير مانع، والحربُ قائمة بين أهل الحصن وأهل الربض، والشياطين لا تزالُ تدور حول الحصن تطلبُ غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم، فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن


(١) وقاية الإنسان من الجن والشيطان، وحيد بالي ص ١٢٥.
(٢) سورة الإسراء: الآية ٦٥، «إغاثة اللهفان» ١/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>