للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (١).

أيها المسلمون: وأَشرف الخلق وأكرمهم على الله كان يُسَرُّ لفتوحات الإسلام ويفرح بسلامة المسلمين وعودة غائبهم، وفي «سُنن أبي داود» والسِّيرة قوله صلى الله عليه وسلم حين فتح الله عليه خيبر، وقدم عليه جعفر ومن معه من المسلمين من أرض الحبشة، قال عليه الصلاة والسلام: «ما أدري بأيِّهما أنا أسَرُّ؛ بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟ » (٢).

بل يصل الأمر بالمسلمين إلى أن يبكي أحدُهم من شدة الفرح لخبر بلغه وخير حظي به دون غيره، وهذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم مُخبرًا عن إذن الله له بالهجرة، وأن أبا بكر سيكون صاحبه بالهجرة، ورفيقه في الطريق إلى المدينة، بكى من شدة الفرح حتى قالت ابنته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: وما كنت أحسب أن أحدًا يبكي من الفرح (٣).

يا أخا الإسلام: وهاك نموذجًا آخر لفرح المسلم بإسلام أقرب الناس إليه؛ أبو هريرة رضي الله عنه كان برًّا بأُمِّه، ولكنها قبل إسلامها كانت تُسمع ابنها في الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكره وما فتئ الابن يدعوها إلى الإسلام، حتى طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهمَّ اهدِ أُمَّ أبي هريرةَ» فاستبشر أبو هريرة بهذه الدعوة، وما وصل البيت حتى وجد أمه تغتسل -وقد أجافت الباب - وقالت: مكانك يا أبا هريرة، فلبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت


(١) سورة يونس: الآية ٥٨.
(٢) السيرة لابن هشام: ٤/ ٧، و «سنن أبي داود»: ٥/ ٣٩٢، وحسنه الألباني في «فقه السنة»: ٥/ ٣٦٧.
(٣) رواه ابن إسحاق، وانظر «الفتح»: ٧/ ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>