للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركَه» (١).

ألا ويح الذينَ يغرون الناس بهيئاتهم أو أقوالهم، والله يعلم ما يكتمون. وهم أبعد ما يكونون عن الإخلاص، وأولئك حَريُّون بالفضيحة في الدنيا، أو في الآخرة، أو بهما جميعًا. وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي وحسَّنه غيره، قال صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان رجالٌ يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللِّين، ألسنتُهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوبُ الذئابِ، يقول الله تعالى: أبي يغترُّون، أم عليَّ يجترئون؟ ! فبي حلفتُ لأبعثن على أولئك منهم فتنةً تَدَعُ الحليمَ حيرانَ» (٢).

وفرق بين هؤلاء وبين الأخفياء الأتقياء الذين يعملون الصالحات -طاعة لله، وإحسانًا إلى الخلق - ثم يتوارى أحدهم بعمله ويكره أن يطلع عليه الناس - لكن أولئك يرجون لقاء الله وعظيم أجره و {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (٣).

إن الناس -كلَّ الناس - يلجؤون إلى الله بالإخلاص في حال الشدائد والضراء إذ يشعرون حينها ألاَّ ملجأ من الله إلا إلى الله، وهنا يدعونه تضرعًا وخفية، ولكن تلك حالات طارئة لا يقاس بها الإخلاص الحقّ -وإنما يقاس الإخلاص في أحوال السراء حين تتطلَّعُ النفوسُ إلى أعراض الدنيا من الشهوة والشُّهرة وحب الثناء والتطلع إلى الجاه وبُعد الصيت، فتؤثر ما عند الله على ما عند خلقه، وتُغلِّبُ نعيم الآخرة على متاع الدنيا الزائل.


(١) أخرجه مسلم: ٢٩٨٥، «جامع الأصول» ٤/ ٥٤٥.
(٢) رقم ٢٤٠٦، .. جامع الأصول ٤/ ٥٤٥.
(٣) سورة العنكبوت: الآية ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>