للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن دروس المحنة والشدائد استخراج عبودية الضراء، والتضرع لله بكشف النوازل، فهل رفعنا أكفَّ الضراعة لله صادقين خاشعين؟ وهل بكت منَّا العيون لما حلَّ ويحل بالمسلمين؟ لقد جاء في كتاب ربِّنا {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١).

وفيه أيضًا: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (٢).

إن التضرع لله افتقارٌ إليه ومسكنة وإيمانٌ بإنه وحده الكاشفُ للضراء، ويقين بقدرته على رفع البلاء، أما الذين تقسو قلوبُهم ويزيد انحرافُهم -حين الشدائد - فما استفادوا من دروس المحن، وما عقلوا حكمة الله في فتنةِ البلاء!

ومن دروس الشدائد أنها كاشفاتٌ لأصحابِ النفوس الكبيرة، الذين لا تزيدهم الشدائد إلا صبرًا ويقينًا، أولئك يواجهون الشدة بالحزم والعزم والتفكير الإيجابي للخروج من المأزق.

كما أنها كاشفاتٌ لضعافِ النفوس، الذين تهزهم حادثاتُ الزمن وإن صَغُرت، وتؤثر فيهم الصيحاتُ المريبةُ، وإن عُلمَ الخبثُ فيها وفيمن وراءها!

ومن دروس الشدائد استخراج ما في النفوس من بطرٍ وأشر وكبرياء لو استمر لها النصرُ، وعاشت دائمًا في السراء، وتكتمل عبوديةُ المسلم لله في حال السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي صحيح السنة: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».


(١) سورة الأنعام: الآية ٤٣.
(٢) سورة المؤمنون: الآية ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>